كان بودنا أن يمر عيد الفطر هادئاً طيباً نظيفاً من آفة التحرش التي باتت تؤرقنا جميعاً.. خصوصاً أن العيد جاء بعد شهر رمضان.. شهر الصيام والقيام والروحانيات العالية.. لكن الملاحظ أنه رغم كل الاستعدادات والاستحكامات والتهديدات انتشرت وقائع التحرش والمعاكسات في المتنزهات وأمام دور السينما وفوق الكباري وفي مترو الأنفاق.. وكان أبطال هذه الوقائع في الغالب صبية دون العشرين من أعمارهم. وفي بعض الوقائع حدثت اشتباكات بين أهالي الفتيات والمتحرشين.. والنتيجة الأخيرة أن الشارع المصري والمجتمع المصري لم يعد آمناً بما فيه الكفاية ضد جرائم التحرش والمعاكسات.. وصارت لدينا ذئاب مسكونة بالهوس الجنسي تعوي في الشوارع ليلاً ونهاراً دون وازع من دين أو قانون. ومما يؤسف له أن مواقع التواصل الاجتماعي علي "فيس بوك" تتداول فيديوهات لوقائع تحرش بفتيات في مدينة جدة بالسعودية.. وهو ما يشير إلي أننا لسنا وحدنا في هذه المصيبة.. فقد وصل التحرش إلي المجتمعات المحافظة في السعودية.. ولم يعد ملبس الفتاة "الضحية" هو الدافع والمحرض علي الهيجان والجيشان الجماعي للمتحرشين كما كان يُقال في السابق.. فالضحيتان اللتان تعرضتا للتحرش في جدة كانتا ترتديان العباءة التقليدية السوداء وتضعان النقاب علي وجهيهما.. طبقاً لما ظهر في أحد الفيديوهات. إذن.. علينا أن نبحث بجدية في أسباب انتشار افة التحرش قبل أن تصير اعتياداً أو تستعصي علي الحل.. وذلك مع عدم اهمال واجب الفتيات في أن يكن أكثر التزاماً بالآداب العامة والاحتشام في الملبس والسلوك.. حتي لا يكن عنصر تحريض وتهييج.. ولا يتهمن بالتحرش بالشباب كما كان يُقال من قبل.. وأيضاً مع عدم اهمال دور الشرطة في تطبيق القانون بكل دقة وحرفية وحزم علي مرتكبي جرائم التحرش.. عن طريق القبض عليهم وتقديمهم لسلطات التحقيق ثم لمحاكمة عادلة وليس بالضرورة استعراض قوة الشرطيات علي الصبية بالضرب والركل والخنق حتي لا يأتي هذا الاستعراض بنتائج عكسية. أعرف أن هناك بعض الجمعيات والهيئات والمنظمات الأهلية غير الحكومية التي تخصصت في مواجهة ظاهرة التحرش عن طريق التعريف بمخاطرها وتشكيل مجموعات متطوعة لرصدها وإصدار تقارير موثقة بشأنها.. هناك علي سبيل المثال حركة "بصمة" ومبادرة "شفت تحرش" بالإضافة إلي المجلس القومي للمرأة.. وكلها تعمل في مجال مكافحة التحرش.. وتقوم بحملات توعية بالشوارع والميادين.. وتتيح خطوطاً تليفونية ساخنة وتقيم غرف عمليات لتصوير وقائع التحرش وتلقي البلاغات وتحويلها إلي وحدات التدخل السريع الخاصة بالمرأة في أقسام الشرطة. وذلك كله جهد مشكور.. لكنه يظل متعلقاً فقط بالضبط والعقاب.. وبالتالي فنحن مازلنا في حاجة إلي جهد مماثل.. وربما أكبر وأشمل.. من أجل الوقاية وتحصين المجتمع من الداخل ضد التحرش.. وتقوية عناصر المناعة في الجسد المصري للتعافي من هذا المرض اللعين.. وذلك عن طريق التوعية وإيقاظ الوازع الديني.. وتلك مسئولية المؤسسات الدينية ورجالها في المسجد والكنيسة. ثم لابد من النظر بجدية في سبل تخفيف الضغط الإعلامي المتزايد علي الشباب بمضامين سلبية تساعد علي التحرش وتحرض عليه.. وتهييء البيئة المجتمعية والنفسية لقبوله والتعايش معه. لابد من ترشيد وتصحيح ماتبثه المسلسلات والأفلام من مضامين ورسائل تشجع علي الجنس الحرام وتشرح كيفية افتراس الأنثي أينما وجدت.. وتحض علي العري والإغراء الجسدي.. وتتسامح مع الخيانة والشذوذ.. وتغرق في عالم المخدرات والبلطجة والعنف من أجل المتعة. للأسف.. إعلامنا يقدم للشباب والصبية بيئة مزيفة صاخبة ملوثة.. وهذا الإعلام في رأي كثيرين وأنا منهم أُس الفساد.. أعاننا الله عليه.