نعيش في هذه السطور مع صحابي اختصه رسول الله صلي الله عليه وسلم بأن دفع إليه الراية يوم تبوك. يقول ابن الأثير في كتابه "أسد الغابة" في معرفة الصحابة: انه كانت راية بني مالك بن النجار يوم تبوك مع عمارة بن حزم فأخذها رسول الله -صلي الله عليه وسلم -ودفعها إلي زيد بن ثابت. فقال عمارة: يا رسول الله. بلغك عني شيء؟ قال: لا. ولكن القرآن مقدم. وزيد أكثر أخذاً للقرآن منك. وزيد بن ثابت ابن النجار الأنصاري الخزرجي. وقد كان عمره حينما قدم الرسول صلي الله عليه وسلم المدينة إحدي عشرة سنة. كما كان عمره يوم بىعاث ست سنوات وفيها قتل أبوه وقد استجاب لدعوة الحق وكان من حفظة القرآن الكريم وقد استصغره الرسول صلي الله عليه وسلم يوم بدر فرده رغم انه كان شديد الاقبال علي المشاركة في يوم بدر. وقد كان له موقف مشهود في غزوة الأحزاب "الخندق" فقد كان ينقل التراب مع المسلمين فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: نعم الغلام. استمر زيد بن ثابت في مجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم فكان يكتب لرسول الله صلي الله عليه وسلم الوحي وغيره. وفي نفس الوقت كانت ترد إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم كتب بالسريانية فأمر زيد فتعلمها كما كان زيد بن ثابت محل ثقة لأبي بكر. وعمر رضي الله عنهما فقد كتب لهما بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم. وقد استخلفه علي المدينة ثلاث مرات مرتين في حجتين ومرة في مسيرة للشام كما كان ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه يستخلفه أيضا إذا حج. وقد أصاب زيد بن ثابت سهم فلم يتسبب له في أي أضرار. وقد طوق رسول الله صلي الله عليه وسلم عنق زيد بقوله: أفرضكم زيد يعني أعلم الصحابة بالفرائض وقد كان من أعلم أصحاب الرسول رضي الله عنهم والراسخين في العلم. ومما يضاف إلي رصيد هذا الصحابي الأنصاري ان الإمام الشافعي قد أخذ بأقواله في الفرائض إعمالاً لحديث الرسول صلي الله عليه وسلم الذي أشرت إليه آنفاً!! هناك جوانب مشرقة في حياة هذا الصحابي الجليل فقد كان من رواة الحديث عن سيد الخلق صلي الله عليه وسلم فلا غرو فقد كان من كتاب الوحي لرسول الله صلي الله عليه وسلم وقد روي عنه كثير من الصحابة منهم ابن عمر. وأبو سعيد. وأبو هريرة. وأنس. وسهل بن سعد. وسهل بن حنيف. وعبدالله بن يزيد الخطمي ومن التابعين. سعيد بن المسيب. والقاسم بن محمد. وسليمان ابن يسار. وإيان بن عثمان. وبسر بن سعيد. وخارجه ابنا زيد بن ثابت كل ذلك يؤكد مدي تمكن زيد بن ثابت في العلم وحفظ القرآن الكريم وحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ويكفيه شرفاً ان الرسول صلوات الله وسلامه عليه قد كلفه بتعلم السريانية فأقدم عليها وكان ينقل للرسول تفاصيل ما جاء في كتب أهل السريانية تلك هي أمانة زيد بن ثابت التي أكدها سيد الخلق صلي الله عليه وسلم حين أصدر اليه هذا التكليف. وتاريخ زيد بن ثابت حافل بالكثير من الأمجاد فقد كان من أفكه الناس إذا خلا مع أهله. خفة الظل وطيب الكلم هي منطق زيد بن ثابت هي منطق زيد مع أهله وعشيرته. وفي ذات الوقت من أفضل الناس وقاراً ورزانة إذا اختلط بالآخرين. انها فضائل التعاليم التي اكتسبها من معاملاته مع رسول الله صلي الله عليه وسلم. ومما يؤثر عنه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كلفه بمهمة بيت المال. وفي أحد الأيام دخل عثمان رضي الله عنه إلي مقر بيت المال فسمع مولي زيد يغني. فقال عثمان: من هذا؟ فقال زيد: مولاي وهيب. فقام عثمان بفرض ألف دينار له تقديراً وتكريماً لزيد. كما أن زيداً كان من الذين يذكرون فضائل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. كما كان علي دراية كاملة بأفعال رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد روي أنس بن مالك عن زيد بن ثابت قال: تسحرنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم قام للصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية. إلي هذه الدرجة كان زيد بن ثابت محيطاً بهذه التصرفات والوقت الذي كان بين السحور وآذان الفجر. انه نور الإيمان الذي استقر في قلب زيد وكانت شهادة الرسول صلي الله عليه وسلم التي خصه بها يوم تبوك بأنه أكثر أخذاً للقرآن. وظل زيد بن ثابت علي وفائه حتي أدركه الموت في سنة خمس وخمسين للهجرة وقيل غير ذلك وقد صلي عليه مروان بن الحكم. ويوم أن مات زيد قال أبو هريرة: مات حبر هذه الأمة. وعسي الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفاً. وكان زيد هو الذي كتب القرآن في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ورحم الله زيد ولدت أجيال هذه الأيام يتعلمون من هؤلاء الرجال الذين استجابوا لله والرسول صلي الله عليه وسلم.