أوضحنا في المقال السابق أهمية تصحيح جملة من المفاهيم الأصيلة التي كانت وما زالت حصنًا للسِّلْم. ووسيلة للحفاظ علي حياة الإنسانية. ومظهرا من مظاهر رحمة كلمة الله للعالمين. وبين هذه المفاهيم التي ينبغي توضيحها هو مفهوم "الجهاد". والجهاد في الشرع هو بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك من الوسائل التي تساعد علي تحقيق غايته الشريفة. والجهاد حق وفريضة محكمة لا يملك أحد تعطيله ولا منعه. ولكنه إذا تفلت من الضوابط الشرعية ولم تطبق فيه الأركان والشروط والقيود التي ذكرها علماء الشريعة خرج عن أن يكون جهادًا مشروعًا؛ فتارة يصير إفسادًا في الأرض. وتارةً يصير غدرًا وخيانة. فليس كل قتال جهادًا. ولا كلُّ قتل في الحرب يكون مشروعًا. وغاية الجهاد أن يكون في سبيل الله كما قال الله تعالي: "فَليُقَاتِل فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشرُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا بِالآَخِرَةِ وَمَن يُقَاتِل فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقتَل أَو يَغلِب فَسَوفَ نُؤتِيهِ أَجرًا عَظِيمًا". "النساء: 74". وسبيل الله هي التي يوضحها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فيما رواه أبو موسي رضي الله عنه. قال: جاء رجل إلي النبي- صلي الله عليه وسلم- فقال: الرجل يقاتل للمغنم. والرجل يقاتل للذِّكْرِ. والرجل يقاتل ليَرَي مكانَه. فمَنْ في سبيل الله؟ قال: "مَنْ قَاتَلَ لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". وكلمة الله هي الإسلام والدعوة إليه. ونشر الحق والعدل. ودفع الظلم. وَرَدُّ العدوان. قال الله تعالي: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَي نَصرِهِم لَقَدِيرى * الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيرِ حَقّي إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَولَا دَفعُ اللهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضي لَهُدِّمَت صَوَامِعُ وَبِيَعى وَصَلَوَاتى وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيّى عَزِيزى" "الحج: 39. 40". فهذه الآية صريحة في القتال لأجل دفع الظلم ولأجل أن لا تهدم دور العبادة التي أقامها أتباع كل دين حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. وغاية الجهاد أيضًا رد العدوان. قال تعالي: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم وَلَا تَعتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعتَدِينَ * وَاقتُلُوهُم حَيثُ ثَقِفتُمُوهُم وَأَخرِجُوهُم مِن حَيثُ أَخرَجُوكُم وَالفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُم عِندَ المَسجِدِ الحَرَامِ حَتَّي يُقَاتِلُوكُم فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُم فَاقتُلُوهُم كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورى رَحِيمى" "البقرة: 190 192". إن ثقافة السلم متجذرة في الشريعة الإسلامية. فكلمة السلام مذكورة. أكثر من 40 مرة في القرآن الكريم بينما كلمة الحرب وردت 4 مرات. الشريعة المطهرة مدارها علي جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتعطيلها. ولو تعارضت المصلحة مع المفسدة فإن دفع المفسدة مقدَّم علي جلب المصلحة. هذا في المصالح المحققة فكيف إذا كانت المصلحة متوهَّمة أو معدومة؟! لذا فواجب الوقت يحتم علي الأمة الإسلامية العمل بكل طاقتها لإحياء فقه السلم في العالم الإسلامي وثقافة الازدهار.