مات الشاعر محمد الفيتوري بعيدا عن وطنه السودان وفي غربة لم يأنس وحشتها المصريون الذين أحبهم.. كان الفيتوري رحمه الله سوداني اللون. ليبي المعيشة ومصري الجينات. إلا أن وفاته بعد يوم واحد من وفاة الشاعر عبدالرحمن الأبنودي. سرق من موته الأضواء كما سرق من حياته الاحتفاء.. سوداني جاء إلي مصر ودرس في كلية دار العلوم وكتب الشعر وبدأ البحث عما ينشر له أو يحتفي به ورغم ازدهار الحركة الأدبية والنقدية في مصر في بداية الخمسينيات. إلا أنهم تجاهلوه وظن أن لونه هو العائق وأن شعره الذي يتحدث عن افريقيا السوداء ونضالها ضد الاستعمار. لا يستسيغه أحد.. وأدرك أن الشعر وحده لن يقيم أوده وبحث عن عمل والتحق بجريدة الجمهورية وبدأ يتردد علي الندوات والتجمعات الأدبية. إلا أن سبل النشر كافة سدت في طريقة وخرج من جريدة الجمهورية بما أطلق عليه صداقات العمر. كان الفيتوري يعرف مصر كلها. مثقفيها أزقتها. حاناتها وكان يتحدث عن افريقيا وثرواتها ويحب الحديث عن مصر وكنوزها وكان أهم كنز يتحدث عنه كنز الصداقات الخالية من الأعطاب والمصالح. الأصدقاء في رأيه هم الذين يحتضنون أصدقاءهم عند اللقاء والوداع وهم الذين سيحملون الجثامين إلي الدار الأخرة وهم الذين سيترحمون علي من كان إلا أنه كان يخشي أن يكون آخر من يموت من الأصدقاء وقد رحل بالفعل بعد رحيل شلته المفضلة بعدة سنوات.. ودفن بعيداً عن السودان وبعيداً عن مصر.. كان من أصدقائه المقربين في مصر الذين يبحث عنهم بمجرد أن تطأ قدماه أرض مصر. المرحوم أمين رضوان بالجمهورية والذي رأس فيما بعد مكتب جريدة السفير اللبنانية في القاهرة والكاتب الصحفي المرحوم فاروق عبدالسلام الذي رأس في نهاية حياته تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون والممثل القدير عبدالسلام محمد والذي تدهور حاله في نهاية حياته. كان الفيتوري لا يحب جلسات المثقفين المقعرة ولذا كان يلجأ إلي أصدقائه الثلاثة يتنذرون علي مواقف ما ويتحدثون في كل الأمور. إلا الشعر والسياسة والثقافة. كان عبدالسلام محمد يتندر عليه بأنه حارب الاستعمار بقصيدتين ثم أخذ الجنسية الليبية وتحول إلي دبلوماسي لد يه سيارة بسائق إلا أنه يعشق بارات وسط البلد الكئيبة التي تذكره بأيام الفقر. كان عبدالسلام محمد يؤكد أنه لولا عبدالناصر ما عرف أحد محمد الفيتوري ويؤكد وهو في حالة سكر بين أن عبدالناصر أوصاه بالفيتوري وللحديث بقية.