تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كليات العلاج الطبيعي 2024 المرحلة الأولي بالنسبة المئوية    تنسيق الثانوية العامة 2025 بالقاهرة.. درجة القبول والشروط لطلاب الانتظام والخدمات    رسمياً تنسيق الجامعات 2025 القائمة الكاملة لكليات علمي علوم «الأماكن المتاحة من الطب للعلوم الصحية»    أسعار الذهب اليوم في المملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 28 يوليو 2025    تراجع سعر الفراخ البيضاء واستقرار كرتونة البيض في الأسواق اليوم الاثنين 28 يوليو 2025    لضمان عودة المياه.. محافظة الجيزة تنتهي من أعمال إصلاح كابل الجهد العالي    الهند تعتزم نشر 40 عنصرًا من قوات الكوماندوس في ليبيا    اصطدام جرار زراعى بقطار المناشى بالبحيرة أثناء عبوره السكة الحديد دون وقوع إصابات    منها «الاتجار في المخدرات».. ما هي اتهامات «أيمن صبري» بعد وفاته داخل محبسه ب بلقاس في الدقهلية؟    السيطرة على حريق بمصنع كريازي في العبور دون إصابات    «مكنتش بتاعتها».. بسمة بوسيل تفجر مفاجأة بشأن أغنية «مشاعر» ل شيرين عبدالوهاب.. ما القصة؟    مستشار المرشد الإيراني: واشنطن تحتاج إلى ممر زنجزور للضغط على موسكو وطهران    السودان: تطورات سياسية وميدانية متسارعة وسط دعم أممي وتنديد إقليمي بمحاولات تقويض الانتقال    كريم رمزي: جلسة مرتقبة بين محمد يوسف ونجم الأهلي لمناقشة تجديد عقده    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    لا أماكن بكليات الهندسة للمرحلة الثانية.. ومنافسة شرسة على الحاسبات والذكاء الاصطناعي    بعد تصدره التريند.. استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري في التعاملات الصباحية ليوم الإثنين 28 يوليو 2025    الجبهة الوطنية بالمنيا: نعمل لصالح المواطن بعيدًا عن أي اصطفافات سياسية شكلية    السيطرة على حريق أعلى سطح منزل في البلينا دون إصابات    بعد 26 ساعة من العمل.. بدء اختبار الكابلات لإعادة التيار الكهربائي للجيزة    شركة مياه الجيزة تكشف لتليفزيون اليوم السابع موعد عودة الخدمة.. فيديو    تنسيق الكليات 2025، الحدود الدنيا لجميع الشعب بالدرجات والنسب المئوية لطلبة الثانوية بنظاميها    ردا على الأهلي، ماذا فعل الزمالك مع زيزو قبل لقاء القمة؟    الداخلية: وفاة نزيل عقب نقله من محبسه إلى المستشفى بالدقهلية    حسين الشحات: لن أرحل عن الأهلي إلا في هذه الحالة، والتتويج أمام الزمالك أسعد لحظاتي    بحضور 4 آلاف مشاهد.. افتتاح المهرجان الصيفي للأوبرا في الإسكندرية بحضور وزير الثقافة والمحافظ    إدريس يشيد بالبداية المبهرة.. ثلاث ميداليات للبعثة المصرية فى أول أيام دورة الألعاب الإفريقية للمدارس    الغندور يعلن رحيل نجم الزمالك.. ويكشف وجهته المقبلة    رابطة العالم الإسلامي: مؤتمر "حلّ الدولتين" فرصة للوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ    إسرائيل تفرض رقابة عسكرية مُشددة على المُراسلين الأجانب الراغبين في دخول غزة    مقتل 4 على الأقل إثر خروج قطار يحمل نحو 100 راكب عن مساره جنوب ألمانيا    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بمدينة الخانكة    الحوثيون يعلنون عن خطوات تصعيدية جديدة ردا على الحرب فى غزة    إصابة 5 أشخاص بحادث انقلاب سيارة في البحيرة    الأرصاد تحذر من ارتفاع الأمواج في عدد من الشواطئ (تعرف عليها)    القبض على عاطلين متهمين بهتك عرض زميلهم بشبين القناطر    تمارا حداد: الهدنة الإنسانية.. خطوة سياسية تكتيكية لشرعنة الحصار واستمرار الحرب على غزة    جدول مباريات الزمالك في الدور الأول من الدوري المصري الممتاز موسم 2024-2025    أحمد نبيل: تعليم الأطفال فن البانتومايم غيّر نظرتهم للتعبير عن المشاعر    وزير السياحة: ترخيص 56 وحدة فندقية جديدة و60 طلبًا قيد الدراسة    متخليش الصيف ينسيك.. فواكه ممنوعة لمرضى السكر    معاناة حارس وادي دجلة محمد بونجا.. أعراض وأسباب الإصابة ب الغيبوبة الكبدية    الفندرى: الصفاقسى أتم تعاقده مع على معلول 3 مواسم.. ونرحب بعودة المثلوثى    أم وابنها يهزمان الزمن ويصنعان معجزة فى الثانوية العامة.. الأم تحصل على 89% والابن 86%.. محمد: ليست فقط أمى بل زميلتي بالدراسة.. والأم: التعليم لا يعرف عمرا وحلمنا ندرس صيدلة.. ونائب محافظ سوهاج يكرمهما.. فيديو    المعهد القومي للكبد: مصر حققت إنجازًا عالميًا في القضاء على فيروس "سي"    «قالوا لي إني ميتة».. أنوار تروي مأساة 9 سنوات انتهت باختفاء الزوج ووقف المعاش    حددت شروطا للظهور به وارتدته وخلعته قبل 11 عاما.. قصة سما المصري مع الحجاب بعد «فيديو البكاء»    أخبار × 24 ساعة.. توقعات بارتفاع الحد الأدنى لتنسيق كليات علمى من 1 ل2%    مدرب بيراميدز عن موعد مباراة دجلة: اللعب فى حرارة 45 درجة تهديد لصحة اللاعبين    الباذنجان مهم لمرضى السكر والكوليسترول ويحمي من الزهايمر    بعد توقف 11 عاما.. رئيس حقوق الإنسان بالنواب يُشارك في تشغيل مستشفي دار السلام    رغم ارتفاع درجات الحرارة.. قوافل "100 يوم صحة" تواصل عملها بالوادى الجديد    رفضت عرسانًا «أزهريين» وطلبت من زوجها التعدد.. 19 معلومة عن الدكتورة سعاد صالح    في الحر الشديد.. هل تجوز الصلاة ب"الفانلة الحمالات"؟.. أمين الفتوى يوضح    بتوجيهات شيخ الأزهر.. قافلة إغاثية عاجلة من «بيت الزكاة والصدقات» في طريقها إلى غزة    البابا تواضروس يصلي القداس مع شباب ملتقى لوجوس    هل الحر الشديد غضبًا إلهيًا؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كوكب الشرق.. ظاهرة قومية خالدة
نشر في المساء يوم 03 - 02 - 2015

في مثل هذا اليوم.. وبالتحديد في تمام الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم الاثنين 3 من فبراير سنة 1975 ميلادية الموافق 22 من المحرم سنة 1395 هجرية.. وبعد صراع مع المرض استمر أكثر من 100 ساعة إنطفأت شمعة الحياة في قلب كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي علي مدي أكثر من نصف قرن "أم كلثوم".. وسكت الصوت الذهبي الذي كان يشدو ويغرد لنا وللدنيا كلها وننتظر موعده في مساء الخميس الأول من مطلع كل شهر.. حيث اعتادت أن تقيم حفلها طوال الموسم الذي يبدأ من فصل الخريف وينتهي مع بداية الصيف.
ونعت الصحف والإذاعة والتليفزيون وأجهزة الإعلام المختلفة في مصر وكل الدنيا خبر وفاتها.. فاهتزت الملايين وراحت وكالات الأنباء تعلق عليه وتسهب في إعطاء المعلومات عن كفاحها كأشهر مغنية في العالم وظهرت عناوين الصحف الرئيسية في صباح اليوم التالي مجلله بالسواد مما جعل الناس يصدقون خبر وفاتها:
المساء: "صوت من السماء عاد إلي السماء" الجمهورية: "أم كلثوم في ذمة الله" وقد أصدرت بالإضافة عددها العادي ملحقاً مجانياً بهذا العنوان.. الأهرام: "وفاة أم كلثوم بعد صراع مرير استمر 100 ساعة".. الأخبار: "ماتت أم كلثوم"
وأصدرت المجلات الأسبوعية ءأعداداً خاصة عن الفنانة الخالدة.. وعدلت برامج الإذاعة والتليفزيون لتساير الحدث الكبير.. وأعلن الحقل الفني الحداد ثلاثة أيام بلا حفلات أو غناء.. وكأن جماهيرها تطلب المستحيل.. وتريد أن ترد إليها الحياة.. تذيع تسجيلاتها ليلاً ونهارا.. وتستمع إلي اسطواناتها في كل وقت.. ولكن لم يحدث في تاريخ مصر أن أحب الشعب أحد فنانيه كل هذا الحب الذي ظهر في أجلي صورة يوم جنازتها.. حيث قدر عدد مشجعيها بمليون مواطن.. لم يتمالكوا أنفسهم في لحظات الوداع الأخيرة.. فما كادت الجنارة تسير عدة خطوات حتي ابتلعها بحر من البشر الذين أنزلوا نعشها من فوق أكتاف رجال الشرطة والمطافيء وتبادلوا حمله والسير به ثلاث ساعات وصلوا في نهايتها إلي مسجد الإمام الحسين.. وكانت جماهير المشيعين تهتف: "الوداع.. الوداع.. مع السلامة.. مع السلامة.. يا ست.. يا ثومة.. مع السلامة يا عظمة مصر".
رحلت أم كلثوم التي تشبه إلي حد كبير.. بيكاسو.. وهنري مور.. وخاتشا دوريان.. هذه الاسماء للنماذج النادرة للفنانين الذين وهبهم الله عمراً ليعيشوا حتي يجدوا فنهم وقد أصبح قادراً علي جني ثمرات الخلود.. وأن عنصر الزمن الطويل هو أكثر العناصر فعالية في إبراز حقيقة أنهم شهدوا في حياتهم حكم عدة أجيال علي فنهم.. بالحب والروعة والاسعاد.. لقد استطاعوا اسعاد عدة أجيال متتالية.. كانت جماهيرهم مع بداية القرن العشرين أو خلال الربع الأول منه محدودة صغيرة يسعون إليها.. ولكنهم في الربع الثالث أصبحوا ملء الاسماع والاذهان والعيون.. تسعي إليهم الجماهير بحثاً عن الامتاع والسعادة والإرتواء.. وهناك آلاف من الاسماء بجوار هؤلاء الأربعة العالميين.. كانوا يبشرون بتفوق وخلود.. ولكن الله لم يمهلهم حتي يروا مجدهم ويجنون ثمراته.. فالفنان الذي تحبه السماء.. تهبه عمراً حتي يحقق لعشاق فنه عبر أجيال الامتاع ويحصد بنفسه ثمار موهبته.
أسرار جديدة عن حياة أم كلثوم
البداية
يذكر تاريخ الموسيقي أن "موزار" نبغ في طفولته حتي أنه وضع لحناً سيمفونياً قبل أن يتجاوز التاسعة.. علي الرغم من صعوبة هذه النوعية من الألحان التي تتطلب دراسات طويلة متشعبة في مختلف التخصصات الموسيقية.. وأم كلثوم أظهرت نبوغاً في مجال الغناء منذ طفولتها المبكرة.. وقبل أن تبلغ التاسعة مثل موزار الذي كان من أسرة موسيقية.. وكانت أم كلثوم من أسرة "منشدين".. فوالدها "الشيخ إبراهيم" وشقيقها "الشيخ خالد".. كانا كلاهما مقرئاً لكتاب الله الكريم.. وبين الحين والحين كانا ينشدان المدائح النبوية في المناسبات.. وفي هذا الجو وبين كلمات الله والصلوات علي رسوله وأنبيائه كانت أم كلثوم طفلة في التاسعة من عمرها.. وكانت كلمات الله تلاحقها في "الكتاب" ولا تتركها عندما تعود إلي المنزل.. في الكتاب كانوا يحفظونها القرآن.. وفي المنزل كان الشيخان إبراهيم وخالد لا يكفان كل ليلة عن تأدية بروفات السهرات القادمة.
والحقيقة أن أم كلثوم لم تولد وفي فمها ملعقة من الذهب.. بل ولدت وفي سمعها هاتف يوحي إليها بأنها الفنانة الخالدة.. ففي تلك السن.. كانت كلمات الموشحات ونغماتها بداية الانفتاح علي عالم الفن.. وكانت حاسة التذوق الفني قد طغت علي تفكير الطفلة الصغيرة.. وإذا أعجبها الموشح أو كلمات المولد.. تنزوي في ركن المنزل تستعيد كلماته وتمتم بنغماته.. وأحيانا كانت آذنها الموسيقية لا تستريح إلي نغم الموشح أو كلماته.. وكانت هناك كلمات تتمني أن يضمها الموشح وهي في تلك السن.. واستمر هذا ملازماً لها.. وهي في أوج مجدها وعظمتها.. وعلي لسانها.. شرحت أم كلثوم في مذكراتها.. حكاية اكتشاف موهبتها الغنائية.. لأول مرة.. وهي في سن السابعة.. قالت:
إن الأمر بدأ بالمنافسة بين أبي الذي كان يقرأ "موالد" ومداحين آخرين ظهروا في نفس المنطقة.. وهددوا رزقه.. فأراد أن يصمد في المنافسة.. وذلك بالتجديد.. فاتجه إلي تعليم أخي خالد الغناء.. وكنت أنا.. بالطبع.. اسمعهم أثناء البروفات بالمنزل.. وفي يوم من الأيام.. بينما ألعب بعروستي التي صنعتها لي جدتي كنت أردد بعض ما سمعته من التواشيح التي كان يعلمها أبي لأخي.. ولما تنبه والدي إلي ذلك سكت وأسكت من حوله حتي انتهيت.. وصاح أبي وعلامات الإعجاب تفيض من وجهه.. "إقربي يا أم كلثوم.. إقربي يا بنتي".. وعرف أبي انني املك جنجرة موهوبة فبدأ يدربني علي حفظ المدائح النبوية والقصائد المعروفة التي كان المنشدون يغنونها في الأفراح.
الإحتراف
ولكن كيف احترفت أم كلثوم الغناء والإنشاد؟
لم يكن الأمر سهلاً.. أو مجرد صدفة.. ولكن عصا الفقر الغليظة والحرمان الشديد.. كانا وراء هذا الاحتراف.. فقد اتفق الأب والأم علي منع أم كلثوم من الاستمرار في دراستها بالكتاب لضيق ذات اليد عندما قال الأب لأمها "ما أقدرش أصرف علي الاثنين.. وادفع لهما قرشين كل جمعة"!.. حيث كانت أم كلثوم وشقيقها يتعلمان في الكتاب نظير قرش صاغ أسبوعياً عن كل منهما!.. وهكذا بدأت الطفلة الصغيرة تحترف الغناء.. والسبب نفقات التعليم التي لا تزيد علي قرش صاغ واحد.
وبدأ والدها حملة الإغراء بالحلوي.. ولعلها قطعة حلاوة طحنيه أو "كرملة" لكي ترافقه في الحفل التالي بعد اكتشافه موهبتها.. وكان أول أجر تقاضته من والدها عن المشاركة في الغناء معه في أول حفل بمنزل شيخ البلد هو طبق مهلبية وفي الحفل التالي بمدينة السنبلاوين حيث بلغ جمهورها 15 مستمعاً قبضت في يدها من صاحب الحفل قطعة فضية هي روبية هندية ذكرها البعض في كتاباتهم عن أم كلثوم.. أنها قطعة من ذات العشرة قروش.. ولكن هذه العملة الهندية كانت منتشرة في مصر أثناء الحرب العالمية الأولي وكانت تساوي ستة قروش.. وهذه الروبية كانت تمثل ثروة بالنسبة لها ولأسرتها.. لأن دخل أبيها في شهر كامل لم يكن يتجاوز ضعف هذا المبلغ.. وفي أول مواجهة بينها وبين الجمهور غنت قصيدة لقنها لها والدها يقول مطلعها: "أقول لذات حسن ودعتني.. بنار الوجد طول الدهر آه"!.. وعندما إرتفع أجرها إلي 35 قرشا في الحقل غنت قصيدة جديدة يقول مطلعها: "حسبي الله ومن جميع الأعادي.. وعليه توكلي وإعتمادي".. وتصوروا.. هذه القصيدة غنتها أم كلثوم 50 مرة في ليلة واحدة من التاسعة علي مواصلة الغناء خمس ساعات متوالية دون أي إجهاد أو كلل.. وكان الجمهور عندما يعبر عن سعادته يطالبها بإعادة الأغنية الواحدة.. مرة ومرات.. وإستمر هذا الأسلوب في التعبير عن الإعجاب بغنائها حتي أخر حفلاتها في 3 يناير 1973 علي مسرح سينما قصر النيل بعد أن أصبح هذا الأسلوب أكثر ملاءمة للعصر الحديث.
إبنة طماي.. الطفلة المعجزة
ولكن.. كيف وصلت أم كلثوم إلي قلوب الفلاحين في ذلك الوقت المبكر؟
لم يكن عمرها قد تجاوز الخامسة عشرة.. وكانت الحرب العالمية الأولي لم تبدأ بعد عندما ذاع صيتها في قرية طماي الزهايره والقري والعزب والنجوع المجاورة ومركز السنبلاوين.. كانت ترتدي ملابس الفتيان وتضع علي رأسها عقالا.. وأصبحت الأفراح التي يقيمها الأهالي في تلك المناطق لا تخلو من غناء هذه الطفلة المعجزة وإلا كانت أفراحا ناقصة.. فكانت حديث الناس.. يشيرون إليها بإبنة طماي التي تنشد القصائد الدينية وترتل آيات الذكر الحكيم.. لقد خرجت أم كلثوم كمعاصريها: طه حسين ومحمود مختار من أعماق الريف المصري.. وانتقلت مثلهما إلي المدينة متمردة علي تقاليد الريف ومحمله بتراثه.. فلم تقلد ما يدور في المدينة ولم تستمر فيما يرضي أهل الريف.. وهكذا شاركت بفنها وأسلوبها الخاص في إرساء تقاليد جديدة للفن في المدينة.
الهنك والرنك
وكيف كان حال الفن في العاصمة "القاهرة" قبل أم كلثوم؟ وكيف كان حال الغناء الذي ساهمت في تبديله وتغييره؟
كان الغناء قبلها يرضي أمزجة أبناء الطبقات الارستقراطية والأعيان الذين يقيمون الحفلات في بيوتهم أو يترددون علي صالات الرقص والحانات بينما لم يكن للفلاحين وأبناء الطبقات الشعبية الفقيرة مطربوهم.. كانوا يؤدون بأنفسهم أغانيهم الريفية التي تتمشي مع حالهم وتعبرعنه.. وجاءت أم كلثوم لتغني مثلهم.. نفس أغانيهم.. ولكن بموهبتها الخاصة.. الصوت الجميل.. كان الفلاحون الفقراء جمهورها وعلموا أبناءهم كيف يستمعون إليها فقضت أم كلثوم علي "الهنك والرنك" وهذا هو الاسم الذي كان يطلق علي الغناء قبلها.. وهو نوع من الزخرفة الصوتية ابتكرها المغني "محمد عثمان" الذي كان يحيي الحفلات التي يقيمها الخديوي إسماعيل ويتلاعب بصوته لعدة ساعات متتالية مردداً نصف بيت من الشعر فقط بتموجات من حنجرته تغلب عليها الميوعة والطراوة في الغناء.. ويتميز ببحة من حين لآخر مع تلاعب ورعشة في الصوت.. وقد سمي هذا الأسلوب الذي يشبه زخرفة الأرابيسك المتكررة.. اسم الهنك والرنك ظل أسلوباً وتقليداً متبعاً حتي ثار الفلاحون مع سعد زغلول سنة 1919 وأصبحوا هم أيضا جمهوراً يطلق الأصوات التي خرجت من أعماقه ويرفض الهنك والرنك.. وهكذا ظهر جمهور أم كلثوم في المدينة بعد أن كان في الريف.. وأصبح يدفع في تذكرة حفلتها الجنيهات بعد أن كان يدفع القروش.
كان مركز الغناء الرئيسي في القاهرة بمطقة "الخواص".. درب طيات.. ودرب الدحديرة.. والدرب الواسع.. وشق الثعبان.. ووش البركة بملاهيها ومقاهيها الشهيرة في أغاني الهنك والرنك "نزهة النفوس".. في هذه الأسواق أسواق الأعراض كان سوق الأغاني.. مع تصفيق الأيادي وطرق الصاجات ورقص الغوازي.. كان الغناء.. وكانت المغنيات في تلك الفترة يتميزن بأسلوب جنسي صارخ في الغناء.. ليس فقط في الصوت.. وإنما أيضا في معان الكلمات.. وذلك لإرضاء جمهور يسهر مع الخمر والمخدرات.. ويطلق أثناء استماعه للأغاني صيحات معربدة وكلمات جنسية خارجة.. مع نكت مخجلة.. أما أشهر الأغنيات في تلك الفترة.. فهي:
إرخي الستارة اللي في ريحنا.. لاحسن جيراننا تجرحنا.
بعد العشا يحلا الهزار والفرفشة.
والنبي توبة ما في شاربة معاك.
هات القزازة واقعد لاعبني.. دي المزة طازة والحال عاجبني.
أنت يا أسطي سوق العربية.. الأفندية بيتمحكوا فيا.
حرص مني أوعي تزغزغني.. جسمي رقيق ما يستحملشي.
ياسمبتك خالص يا مهندم.. تعالي زورني الليلة يا فندم.
أنا أقابله وأقعد وياه.. وأسكر وأغني شويه معاه.
أنا وأنت يا روحي جوه الدهبية.. نلعب علي كيفنا ونرخي الناموسية.
لا شك أن الفن في تلك المرحلة.. حتي العشرينيات.. كان يرتبط بشخصية الفنان.. وشهرته مما يدفع الجمهور إلي الاعتراف بتفوقه ووضعه علي قمة القيادة الفنية.. لقد كان ما يربحه الفنان سواء عن حقيقة أو إشاعة هو الذي يجذب إليه الجمهور ويطير شهرته إلي أقصي مكان في البلاد.. لهذا كانت أم كلثوم التي أدركت ذلك بذكائها تحرص علي الظهور في حفلاتها بملابس وحلي تزيد قيمتها علي ضعف ثمن تذاكر الحفلة كلها.. لأنه منذ بدايتها.. وفي فجر انضمامها إلي الحقل الفني.. كانت مقاييس الجمهور ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنجاح الفنان في تحقيق الثروة.
مواقف لا تنسي
لن ينسي أهل مصر المواقف الوطنية العظيمة التي قامت بها أم كلثوم لمساندة وطنها والوفاء له ومساندته في أوقات الشدة.. خاصة بعد نكسة ..1967 فقد قامت بإحياء العديد من الحفلات الغنائية داخل وخارج مصر خصص دخلها لصالح المجهود الحربي.. كما كان لها العديد من المواقف الانسانية التي يصعب حصرها مع أعضاء فرقتها الموسيقية.. وبالذات الذين يتعرضون لمتاعب صحية أو مفاجآت قدرية.
أيضا مساهماتها في المشروعات الخيرية وإحياء الحفلات التي يقيمها أهل بلدها ومسقط رأسها في الأفراح والليالي الملاح بدون مقابل مادي وفي نفس الوقت تسدد أجور الفرقة الموسيقية التي تصاحبها من مالها الخاص.
تخفيف الانفعال علي المسرح.. وراء ظهورها بالمنديل
أم كلثوم.. شاعرة وملحنة!..
الذي لا يعرفه عشاق أم كلثوم أنها كتبت الشعر في بداية حياتها لدرجة أنها غنت قصيدة من تأليفها وتلحينها بعنوان "تبارك من تعالي في علاه" وذلك عام ..1913
تقول في كلمات القصيدة:
تبارك من تعالي في علاه
يقول للعبد اطلبني تجدني
أنا المطلوب فاطلبني تجدني
وان تطلب سواي لم تجدني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.