تحتفل مصر خلال الأيام القليلة القادمة بميلاد رسول السلام السيد المسيح وأيضاً بمولد نبي الرحمة محمد صلي الله عليه وسلم .. سوف يذهب أُناس لشراء شجرة الميلاد المجيد ويعلقون الزينات والأنوار ابتهاجاً.. ويذهب آخرون لشراء الحلوي وإعداد ما لذ وطاب من صنوف الطعام.. ولا تثريب علي هؤلاء وهؤلاء فيما اعتادوا عليه.. لكني أظن أن التمادي في هذه المظاهر يفقد المناسبتين الجليلتين مغزاهما العميق.. ويفرغهما من مضمونهما الحقيقي الذي جاء به رسول السلام ونبي الرحمة عليهما الصلاة والسلام. لقد جاء السيد المسيح عليه السلام إلي الدنيا رسالة محبة واطمئنان وسلام.. بعد أن سيطرت المادة علي العالم وجعلت قلوب الناس قاسية غليظة.. وتحكم عبدة الدرهم والدينار في مصائر أهل العقل والحكمة.. جاء السيد المسيح كلمة الله عز وجل لهداية البشر إلي الخير والعدل.. ووهب حياته كلها لنصرة الضعفاء والمحتاجين ومساعدة لمرضي.. فأبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتي بإذن الله.. وبذل نفسه للبائسين والمضطهدين والمظلومين والمذنبين.. ورفع لواء الصفح والغفران والعفو والتسامح بين الناس. يقول لأتباعه: "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر". "أحبوا مبغضيكم.. باركوا لاعنيكم". وجاء محمد صلي الله عليه وسلم رحمة للعالمين.. أباً لليتامي والمساكين وابن السبيل. ويداً حانية علي الضعفاء والمرضي وذوي الحاجة وعطاء موصولاً للسائلين والمحرومين والمنبوذين. يقول القرآن الكريم فيه: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". "فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك. فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر". ويقول صلي الله عليه وسلم عن نفسه: "يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة". "إني لم أُبعث لعاناً. وإنما بعثت رحمة". "الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". "من لايرحم لا يُرحم". هل هناك أمة لديها كل هذا الثراء القيمي من رسولين عظيمين ومازالت تعاني من أمراض الفقر والجهل والمرض والتعصب والظلم والتعالي.. وينهش جسدها البؤس وذل الاحتياج والاضطهاد.. ثم يكون احتفالها مقصوراً علي شجرة الميلاد والزينات والحلوي؟! كان علينا منذ زمن بعيد.. وقبل أن نحتفل بميلاد رسول السلام ونبي الرحمة أن نضع ميثاقاً وطنياً مستمداً من سيرتهما العطرة للقضاء علي المظالم التي خلفها تجاهل المضمون الحقيقي لرسالة السماء التي جاءت لإصلاح الأرض التي ملئت حقداً وظلماً وفساداً. قبل أن نحتفل بميلاد طه والمسيح عليهما السلام يجب أن ننظر في أنفسنا.. في شوارعنا وحوارينا.. كم مظلوم علي هذه الأرض ضاع حقه فنسارع إلي مساعدته.. كم ضعيف وكم مريض وكم مضطهد وكم سائل وكم محروم.. كم جائع وكم فقير وكم مقهور يعيش بيننا وهو لا يستطيع أن يفرح وأن يضحك مثلما نفرح ونضحك.. ولا يستطيع أن يدخل السعادة علي أولاده مثلما نفعل نحن. فلتكن المناسبتان الكريمتان فرصة لبناء مصر الجديدة.. مصر المحبة والتراحم والسلام. "المجد لله في الأعالي.. وعلي الأرض السلام.. وبالناس المسرة". وكل عام وأنتم بخير.