أنا سيدة في منتصف الأربعينيات من العمر.. مطلقة منذ شهور قليلة.. ومعي من الأبناء خمسة حين تزوجت من أبيهم وقع اختياري عليه بحكم أنه ابن عمي وهو خير من يصونني ويحميني لذا سعيت من اليوم الأول من اقتراني منه أن أكون نعم الزوجة له.. فلا يري مني سوي كل شيء طيب.. ولا يسمع مني إلا كلمة "حاضر". وحين بدأ الله يرزقنا بالأبناء تباعًا انتظرت منه أن يضاعف من ساعات عمله كسائق حر لكنه كان يعمل يومًا ويتوقف أيامًا وأنا صابرة لا أغضب ولا أثور مع أن المشكلات كانت في تصاعد مع قلة الدخل وتراخيه عن العمل.. وأتذكر أنه عندما حملت في ولدنا الرابع أصابه الضيق الشديد وقال: ليكن آخر عهد لك مع الحمل والولادة.. لم أعترض.. وبادرت فور ولادتي بتناول حبوب منع الحمل والانتظام عليها امتثالا لرغبته.. المهم أنني التزمت من جانبي وانتظمت في تناول الحبوب في موعدها وذات يوم استيقظت علي آلام مبرحة فحملوني إلي المستشفي العام وأظهرت الفحوص الطبية انني أعاني من التهاب شديد في المرارة ورسموا لي خطة علاج استبعدوا فيها التدخل الجراحي واكتفوا بالعلاج الدوائي المكثف. التزمت بكلام الأطباء وظللت علي مدي ثلاثة أشهر أتناول تسعة أقراص في اليوم حتي تتعافي صحتي ولا ألجأ للجراحة.. وفي تلك الأثناء اكتشفت أنني حامل في المولود الخامس حيث تسببت الجرعة اليومية من دواء "المرارة" في إبطال مفعول حبوب منع الحمل!!! وعندما علم زوجي بالأمر طالبني والغضب يطل من عينيه بالتخلص من الجنين بأي شكل وليسامحني الله سايرته في هذا الأمر وبدأت أسعي نحو ذلك لكن شاءت إرادة المولي عز وجل أمرًا آخر حيث لم يسمح دخل زوجي بتكاليف العملية فلم يجد أمامه سوي الرضوخ والإذعان لأضع مولودي الخامس رغم أنف أبيه!! وإزاء تراخيه في السعي علي احتياجات أبنائنا اضطررت للخروج إلي العمل وهم لا يزالون في سنوات التعليم الأولي حتي ألبي احتياجاتهم الأساسية من مأكل وملبس ومصاريف دراسة.. و.. وذات ليلة جاءني زوجي وفي رأسه فكرة أزعجتني في بدايتها لكنه ظل ورائي حتي أقنعني بها.. وهي أن نبيع الشقة التي نقطن بها وهي بالمناسبة شقة تمليك حصلنا عليها من المحافظة ويشتري سيارة ليعمل عليها بدلا من العمل علي سيارات الغير!! وراح يغريني بما سيعود علينا من خير وفير أولها أن أتوقف عن العمل وأتفرغ للبيت والأولاد. لم يكن أمامي سوي الموافقة والنزول علي رأيه كما عودته.. وانتظرت بعد أن باع الشقة أن يأتي بالسيارة لكنه أخل بكل وعوده لي وراح ينفق ثمنها علي أصحابه بالمقاهي الذين باتت تطول سهراته معهم!!.. تبخرت فلوس الشقة التمليك.. وصرنا عاجزين عن الوفاء بمستلزمات الشقة الجديدة من إيجار وخلافه.. ما دفعني وليسامحني الله في ذلك إلي اقتحام أحد مساكن الحكومة والإقامة فيها وأولادي لكن سرعان ما انتبهت المحافظة وأخرجونا منها غير مأسوف علينا!! كذت أفقد أعصابي مما فعله معي "أبوأولادي" وما كان لي سوي أن أتخذ القرار الذي تأخر كثيرا بطلب الانفصال عنه.. وبوقوع الطلاق شعرت أنني كالطائر الذي تحرر من قيوده وإن ما ظننت أنه سيكون شريكا حقيقيا في الحياة وسندا كان عالة عليَّ وعلي أبنائي ويكفينا ما أصابنا منه فبعد أن كنا نقطن في شقة تمليك صرنا نبيت اليوم في عشة نصفها من الطوب والنصف الآخر من الخشب. انني أشعر بتأنيب الضمير علي ما اقترفته في حق نفسي وأبنائي حينما تصورت أن الحياة الزوجية هي الطاعة والطاعة فقط وهذا سبب مكالمتي معك لعل في قصتي ما فيه تنبيه لكل فتاة مقبلة علي الزواج لا تستسلمي لكل ما يمليه عليك شريك الحياة.. كوني قوية الشخصية معه دون الجور علي حقوقه حتي تمضي بكما السفينة في سلام. لا تحملي نفسك فوق طاقتها وخذي موقفا قبل فوات الأوان.. وإن كانت هذه هي رسالتي الأولي.. فالثانية أوجهها لأهل الخير كونوا بجواري وأبنائي ما يساعدنا علي استئجار ولو حجرة بمنافعها ترحمنا من زمهرير الشتاء ومن العيش في العراء حيث تناهي إلي مسامعنا أن المحافظة تعتزم إزالة العشش الكائنة بالمدينة فهل نجد من يغيثنا بعد أن تخلي عنا تماما "الأب وابن العم"؟ المحتسبة ا.ح بورسعيد المحررة: لم تخطئي حينما التزمت الطاعة في بداية حياتك فهذا حق الزوجة علي الزوج ولا جدال في ذلك حتي تستقيم الحياة الأسرية ويعتدل ميزانها لكن "أبوأولادك" هو الذي أساء فهم خصالك الطيبة ما جعله يتمادي فلم يقم بمهامه كرجل مسئول عن بيت وأولاد واستسلم للراحة والكسل وبدلا من أن تغضبي لهذا الوضع وتثوري قدمت له الحل علي طبق من فضة حين خرجت للعمل وضاعفت العبء علي كاهلك مثلما ركنت له وهو يحرضك علي التخلص من حملك الخامس مع أن في السماء رزقهم وما يوعدون. ولأن البحر يحب الزيادة كما يقولون فقد استزداد "أبوأولادك" من نهر طيبتك ونجح في إقناعك ببيع الشقة التي تؤويكما وأبناؤكما.. فكان ما كان منه وتبخرت الفلوس.. وضاع كل شيء!! وجدت في قصتك ما يستحق إهداءه لكل فتاة مقبلة علي الزواج بعد أن خرجتِ من القفص وأزيد علي ما جاء في رسالتك لها انه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.. و"أبوأولادك" لم يجد غضاضة في التضحية باستقرار أسرته وأمن أولاده من أجل لذاته.. وسهراته الخاصة!! فأي طاعة تجوز لمن علي شاكلته!! والآن تبقي الرسالة الثانية والأهم لأصحاب القلوب الرحيمة.. كونوا بجوار هذه الأم وأبنائها الخمسة.. ولا تبخلوا بما أفاض الله به عليكم من نعم.. فهي لا تريد أكثر من حجرة بمنافعها!!