إذا كانت الكتابة الإبداعية هي اللغة في تحققها الجمالي. فإن جماليات اللغة واضحة في هذا الكتاب. أجمل الإبداع هو الذي تشعر أنه ليس كذلك. وأجمل الأداء التمثيلي هو الطبيعي وغير المتكلف. وأجمل الشعر هو الذي يخاطب وجدانك كأن صاحبه كتبه من أجلك. كذلك فإن أجمل النثر هو الذي لا تشعر بحبكته ولا صنعته. اللغة في كتاب مريم توفيق "الثورة والزمن المسروق" بسيطة. تنبو عن التقريرية والمباشرة. ليست مجرد أداة. إنما هي جزء من نسيج العمل الإبداعي. يغيظني الكاتب الذي تبهره الكلمة. فيضمنها السطر في القصة أو الرواية أو الخاطرة. دون أن تكون متداخلة في نسيجها. جزءاً من سياقها. فهي تبدو في القراءة المتأملة جزراً منعزلة في بحر السطر الإبداعي. العمل الإبداعي. الفنان الذي يحسن استخدام اللغة. يقاوم إبهار الكلمة في ذاتها. ولا يقاومه في سياق. مريم توفيق تملك أدواتها. قاموسها اللغوي واضح الثراء. لا تكاد تلح علي كلمة أو جملة. وهي تحسن اختيار الكلمة الأصدق تعبيراً. ويجيد موسيقا اللغة وإيقاعا. ونقل المعني بما يرفض الجفاف والمباشرة. أو التلغيز. فالنثر ليس مجرد زخارف علي الهامش. لكنه بناء معماري فني شديد الحيوية. إنه يتألف من عناصر فنية لكل منها وظيفته المحددة. والمرتبطة عضوياً بوظائف العناصر الأخري. بما يحقق التفاعل بين كل العناصر. تحقيقاً لعمل فني يسعي إلي التفوق. اللافت أن الكاتبة تحرص علي بساطة العبارة. ووضوحها. وعلي إحكام العبارة في الوقت نفسه. واعتبار التقنية أداة للتوصيل والإضاءة. وليس للإبهار. أو الزخرفة. أو التوشية. ولأن الأسلوب هو طريقة الكاتب في الكتابة. فإن اضطراب الأسلوب مبعثه إن حدث اضطراب الأفكار التي يريد الكاتب عنها. والسمة الواضحة في هذه المقالات عن ثورة 25 يناير. مرحلة ما بعد الثورة بخاصة. إنها تجيد اختيار اللحظة. تجيد اقتناصها. وتجيد الاجابة عن السؤال: ما وجهة نظر الكاتبة؟ الفنان الفنان هو الذي يستطيع أن يجعل من أي شيء قيمة إبداعية. حتي اللحظة العادية تتحول في إبداع الكاتبة الفنانة التي تزاوج بين الوعي بالهم السياسي والحس الفني إلي سرد ثري وخصب. لكن لحظات هذا الكتاب ليلة عادية. إنها لحظات ثورة. مقدماتها. أحداثها. نتائجها. طموحات المستقبل.