استنكر السفير محمد رفاعة الطهطاوي المتحدث الرسمي السابق باسم الأزهر وجود ما يزيد علي مائة ائتلاف يدعون انهم من شباب الثورة بعد أن أصبحوا من مدمني حب الظهور..! وما قاله السفير طهطاوي هو توصيف واضح للمشهد علي الساحة المصرية حاليا.. فإلي جانب كل هذه الائتلافات فإنه من المتوقع أن نشهد أيضا عشرات إن لم يكن مئات الأحزاب التي ستنطلق من رحم الثورة والتي ستحمل جميعها في معظمها نفس الأفكار والتوجهات ويعتبر كل حزب فيها نفسه بمثابة المتحدث الوحيد عن الثورة وشبابها. وقد يستمر هذا المشهد إلي فترة طويلة علي المسرح السياسي إلي أن نصل يوما إلي وجود حزب أو حزبين ليبراليين في مقدورهم الوقوف ومناطحة الأحزاب السلفية والدينية. والتجربة الانتخابية القادمة قد تؤدي إلي هذا الدمج عندما تتحالف الأحزاب الليبرالية معا في الانتخابات لمحاولة الحصول علي نسبة معقولة من مقاعد البرلمان تمكنها من تحقيق أهدافها في إقامة الدولة المدنية البرلمانية بعيدا عن ما هو منتظر وما هو متوقع من سيطرة الأحزاب الدينية علي البرلمان في طريق إقامة الدولة الدينية. غير اننا نخشي من مؤشرات عديدة تدل علي ان هذه الأحزاب الليبرالية الجديدة لن يكون في مقدورها الاتفاق ولن يكون في استطاعتها أيضا أن تفرز شخصيات مؤثرة تستطيع أن تنافس وتفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة. فالحديث الذي نسمعه من قادة هذه الائتلافات والأحزاب الجديدة في الفضائيات وفي مختلف وسائل الاعلام لا يخاطب بسهولة ووضوح أولويات الشارع ولا يعبر بشكل دقيق عن مشاكله وقضاياه ويأخذ شكل العموميات والتنظير بعيدا عن الواقع العملي. والواقع العملي الملموس في الساحة حاليا هو ما نشاهده من نشاط مكثف لجماعة الاخوان المسلمين والجماعات السلفية وهو نشاط ينعكس في تواجد واضح وظاهر بمختلف مناطق وأحياء مصر حيث بدأوا في تنظيم مهرجانات الشباب الصيفية وحيث يتم علي أوسع نطاق تنفيذ برنامج لمساعدة الأسر الفقيرة وحيث هناك انتشار لم يعد خافيا علي أحد لأصحاب اللحي و"الجلاليب" والنقاب في كل مكان..! ومن المشاهد المثيرة للسخرية علي المسرح السياسي حاليا ان هناك محاولات ودعوات تنطلق تهدف إلي الإعدام السياسي لأعضاء الحزب المنحل وان هذه الدعوات تنطلق من العديد من ائتلافات الثوار ومن الداعمين للثورة الذين يفترض انهم يدعون إلي تطبيق وحماية القانون والمواثيق الدولية فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والتي ترفض أن تكون إجراءات المنع والتجريد من ممارسة الحقوق السياسية غير مستندة علي حكم قضائي نهائي. والذين يتصدون لعملية الاعدام السياسي هم جماعة الاخوان المسلمين الذين كانوا المتضرر الأساسي من رجالات النظام السابق وتعرضوا للسجن والتعذيب حيث رفض الدكتور عصام العريان القيادي بجامعة الاخوان فكرة المنع الياسي لأعضاء الحزب الوطني المنحل قائلا ان مصر علي أبواب دولة القانون والليبرالية ولا يجب أن تكون هناك قرارات إدارية تعزل أحدا عن ممارسة العمل السياسي وهو موقف يمثل ويعكس ثقة الاخوان في مستقبلهم السياسي رغم إدراكهم ان المنافس الحقيقي لهم في الانتخابات البرلمانية القادمة سيظل متمثلا في بقايا الحزب الوطني ورجالاته خاصة في القري والمحافظات وحيث العصبيات والعائلات التقليدية والتي كانت تدور دوما في إطار نفوذ الحزب الوطني بالانضمام اليه..!! ولقد ظهرت علي السطح أيضا العديد من القضايا التي لن تكون في صالح الأحزاب الجديدة أو ائتلافات الثورة في الحصول علي تأييد ودعم الشارع إذ ان ما لمسه الناس من فوضي في الشارع وعجز الحكومة عن إعادة الانضباط والأمن بالسرعة المطلوبة إلي جانب التداعيات الاقتصادية السلبية في المجتمع. فإن كلها عوامل تجعل بعض الناس في حالة من القلق والتخوف من أي تحول آخر قد لا يحمل معه حلولا لهذه المشاكل وهو ما قد يصب أيضا في خانة المعارضين للثورة والذين بدأوا في اللعب علي أوتار المعاناة الشعبية والمقارنة بين الأوضاع ما قبل الثورة وما بعدها..! ولم تساعد حكومة تسيير الأعمال للدكتور عصام شرف في تلميع وجه الثورة وإظهار ما قد يشهده المجتمع من متغيرات ايجابية بشكل قد يدعو إلي التفاؤل في المستقبل وكان أداء هذه الحكومة مخيبا للآمال بسبب التردد في اتخاذ القرارات والرضوخ للاحتجاجات والاعتصامات والتراجع عن بعض القرارات والاختيارات الخاطئة لبعض المسئولين والتي اعتمدت علي ترشيحات من أهل الثقة بحيث ظهرت مجموعة من محتكري الثورة والذين يتحدثون باسمها والذين دانت لهم الكلمة العليا في الاختيارات والتعيينات. وانعكس هذا الأداء الباهت علي الثورة ومضمونها خاصة عندما شهدت الأشهر الأخيرة الكثير من الحوارات القومية والوطنية التي تحولت معها مصر إلي "مكلمة" كبيرة مفتوحة في وقت كان المجتمع فيه يتطلع إلي خطوات ملموسة تعيد إليه الاستقرار وتترجم له إنجازات الثورة. وفي هذه الأجواء وإذا استمرت الأمور علي ما هي عليه وإذا ما أجريت الانتخابات البرلمانية بعد أشهر قليلة كما هو مقررا لها فإن الأحزاب التي خرجت من عباءة الثورة إلي جانب الأحزاب الليبرالية التقليدية القديمة لن يكون في استطاعتها حصد العديد من المقاعد الانتخابية وربما مثلت في نتائج الانتخابات نكسة للثورة وانتصارا لقوي الثورة المضادة. ان البعض يدعوا إلي تأجيل الانتخابات النيابية حتي تستعد الأحزاب الليبرالية الجديدة للمواجهة وهي دعوة كنا نفضل بدلا منها التعجيل بالانتخابات الرئاسية لأننا نعتقد انه مهما كانت فترة التأجيل فإن هذه الأحزاب لن يكون في مقدورها أن تحدث فارقا كبيرا لأن الانتخابات البرلمانية بشكل خاص ترتبط وتعتمد علي علاقات شخصية ومصالح وتربيطات مازال هؤلاء حديثي العهد بها.. كما انهم سوف يدخلون هذه الانتخابات بوجوه قد تكون معروفة علي مستوي النخبة والمثقفين ولكنها ليست معروفة شعبيا..! اننا ندعو كل هذه الأحزاب إلي الاندماج في حزب واحد هو الحزب الديمقراطي وعندها قد تكون هناك فرصة. ** ملحوظة أخيرة: اتحاد كرة القدم وإبراهيم حسن يقودان الجماهير إلي كارثة.. وما حدث في مباراة الاتحاد ووادي دجلة كان مجرد مقدمة..!!