ليست قضيتنا أن تدخل الفتاة المنتحرة زينب المهدي الجنة أم النار.. ربها أعلم بها.. وهو سبحانه وتعالي أرحم بها وأحن عليها من أمها التي ولدتها وربتها.. وليست قضيتنا أن نفتش في إيمانها لنقرر هل كفرت قبل الانتحار أم كفرت بالانتحار.. هذا نوع من التنطع للهروب من السؤال الصحيح الذي يجب أن نطرحه علي أنفسنا في هذه الساعة ونجتهد في البحث عن إجابات صادقة وصريحة له حتي وإن كانت صادمة لكي نحمي أبناءنا وبناتنا من المصير المشابه. السؤال الصحيح والمفيد الآن : ما هي الظروف والملابسات التي دفعت هذه الفتاة إلي الانتحار وأغلقت أمامها أبواب الرجاء والأمل في مستقبل أفضل؟! التقارير الصحفية التي نشرت حتي الآن نقلاً عن زملائها والمقربين منها تؤكد أن زينب المهدي رحمها الله كانت ناشطة سياسية وحقوقية.. وكانت لديها طاقة وحماسة تسبق سنوات عمرها.. ورغم الحماسة التي كانت تبثها في حياة من حولها فإنها لم تستطع مواجهة حجم اليأس والاحباط اللذين أحاطا بها في أيامها الأخيرة. ونقلت "الشروق" أمس الأول السبت آخر كلمات كتبتها زينب لاحد أصدقائها في رسالة عندما سألها عن سبب تغيبها عن الأنشطة والفاعليات التي اعتادت علي المشاركة فيها.. تقول الرسالة : "تعبت.. استهلكت.. مفيش فايدة.. كلهم "....." واحنا بنفحت في ميه.. مفيش قانون خالص هيجيب حق حد.. بس احنا بنعمل اللي علينا.. أهي كلمة حق نقدر بيها نبص لوشوشنا في المراية من غير ما نتف عليها.. مفيش عدل وأنا مدركة ده.. ومفيش أي نصر جاي.. بس بنضحك علي نفسنا عشان نعرف نعيش. كل الذين تحدثوا عنها قالوا إنها كانت تحب الحياة ولا تعرف اليأس.. ولكنها لم تجد مكانا يمثلها لتنتمي إليه وينقذها وينقذ البلد.. وكتب أحد أصدقائها علي صفحته علي "الفيس بوك" إن حياة زينب في الفترة الأخيرة كانت مدمرة علي كل الأصعدة : نفسياً ومادياً ومعنويا.. الحلم والمستقبل كان أمامها مقفول من كل ناحية.. وقد أرسلت له ولغيره من أصدقائها سيرتها الذاتية لمساعدتها في الحصول علي وظيفة. أما صديقتها آية طاهر حمزة فقالت : "زينب دخلت جوه الكواليس وعرفت حاجات احنا قاعدين نقنع نفسنا إننا مش عارفينها.. الحاجات اللي احنا معتمين عليها لأسباب كتير.. أولها إننا مش قادرين نعترف بضعفنا.. مش عاوزين نحس بالعجز أكثر من كده.. مش عاوزين نصدقها عشان ماننتحرش من الخوف. هذه كما تري قصة زينب.. يأس بعد أمل.. إحباط بعد طموح.. اكتئاب وانطواء وعجز بعد نشاط وإنطلاق وجرأة.. خوف ودمار مادي ومعنوي بعد حلم لا محدود للمستقبل.. ولابد أن نعترف هنا أن الشهور القليلة الماضية شهدت حالات انتحار مشابهة.. وربما لنفس الأسباب.. لذلك فإن الأمانة الوطنية تقتضي إجراء بحوث جادة وشاملة حول هذه الحالات قبل أن تستفحل الظاهرة وتقضي علي جيل كامل مازلنا نسميه جيل الشباب.