لم يعد هناك سر يخفي علي إسرائيل في مصر.. فعلي مدي أكثر من ثلاثين عاما صارت مصر ميدانا مفتوحا تماما للإسرائيليين.. كل ما أرادوه حصلوا عليه من خلال اصدقائهم وعملائهم.. وما استعصي عليهم طلبوه من خلال القنوات الرسمية وطالوه بأيديهم.. والبركة - طبعاً - في كنزهم الاستراتيجي الذي كان جاثما علي صدر المصريين. كل ما يتعلق بالدولة والشعب والثروات وعناصر القوة كان في متناول أيديهم.. ولو حدث وتمنعت مصر الرسمية عليهم من باب الدلال أو لأية أسباب أخري كان دائما هناك الحليف الاستراتيجي الأمريكي جاهزا للتدخل.. وامدادهم بما يريدون واكثر.. فمصر صار قدرها أن تكون في يد الحليف الأمريكي.. والحليف الأمريكي - كما نعرف - في يد الحليف الصهيوني. إذن.. لماذا يتجسسون علينا طالما أننا تحولنا إلي كتاب مفتوح أمام أعينهم ليس فيه سر ولا لغز؟! لابد أن يكون هناك هدف آخر للتجسس الصهيوني بعيداً عن الرغبة في معرفة الأسرار التي لم تعد أسراراً.. وهذا الهدف كشف عنه بكل وقاحة الجنرال الصهيوني المتعجرف عاموس يادلين الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية "أمان" خلال مراسم تسليم مهامه للجنرال أفيف كوخافي. قال الجنرال يادلين إن مصر هي الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلي.. وان العمل في مصر تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979 عام توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. اضاف: لقد احدثنا اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية وعسكرية في أكثر من موقع.. ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائما ومنقسمة إلي أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر. بصريح العبارة فإن اسرائيل تتجسس علينا ليس من أجل الحصول علي اسرار وانما من اجل القضاء علي المجتمع المصري وتفكيكه .وتدمير العنصر البشري المصري.. وما حدث في مجالات عديدة من حياتنا.. خاصة في الزراعة والصحة والثقافة والفتنة الطائفية خلال السنوات الأخيرة يؤكد أن ما قاله رئيس جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلي صحيح مائة في المائة. وهذا ليس بغريب علي الإسرائيليين.. فهم العدو لمصر والمصريين إلي يوم الدين مهما كان بيننا من مواثيق ومعاهدات هم العدو الحقيقي الذي لا يرجي منه خير أبداً.. وإنما الغريب في الأمر أننا نقرأ ما يقولونه عنا.. ونعرف اهدافهم بكل دقة لكننا نمر عليها مر الكرام.. بل أن بعضنا ينخرط في الانشطة الهدامة التي تحقق لهم ما يريدون.. وبالذات فيما يتعلق بالفتنة الطائفية التي تهدد مصر كل لحظة. الحقيقة التي نعرفها يقينا واثبتتها اعترافات يادلين.. واعترافات الجاسوس المقبوض عليه حاليا إيلان جرابيل ضابط الموساد هي أن المؤامرة قائمة طوال الوقت.. فعيون الصهاينة لم تنم عنا رغم توقيع كامب ديفيد ومعاهدة السلام وكل الاحداث المريبة والتوجهات المريبة التي عانينا منها في السياسة والاقتصاد والثقافة تؤكد أن اصابع إسرائيل تعيث فساداً في بلادنا.. ومن ثم فإن الحذر واجب وطني وقومي وإنساني في هذه اللحظة التاريخية. لم نصدق أبداً أن مناحم بيجين يمكن أن يكون صديقا لمصر والمصريين ولا موشي ديان ولا جولدا مائير.. ولا شارون وأولمرت وإيهود باراك ورابين ونتنياهو.. مهما أعطونا من السنتهم كلاما معسولاً.. فكلهم بحمائمهم وصقورهم لا يمكن أبداً أن يكونوا اصدقاء لمصر والمصريين في يوم من الأيام.. ولو حدث هذا لكان هناك خطأ كبير يجب تصحيحه. وعندما كان الرئيس السادات - الله يرحمه - ينطق تعبيره الشهير "صديقي بيجين" كنا نشعر بجرح في كبريائنا الوطني والقومي.. ونشعر بأذي إنساني كبير.. فمعاهدات السلام لا تقلب العدو صديقاً.. ولا تضع العدو مكان الصديق.. العدو عدو والصديق صديق.. وإن اختلفنا أو تخاصمنا مع الصديق.