* أكثر ما يلفت النظر في محصلة الانتاج الدرامي الغزير. الذي شاهدناه مؤخراً ذلك التناقض الكبير بين نماذج المرأة الخلاقة والفاعلة الدافعة لعجلة المجتمع علي أرض الواقع وبين النماذج المنحرفة وغير السوية والتي تمثل في جوهرها ثقلاً يعوق حركة وتطور المجتمع. * ما يلفت النظر أيضاً غياب السنوات الثلاث المجلجلة "2011 2014" التي زلزلت كيان المجتمع وهزت أركانه.. ترملت نساء. واحرقت قلوب أمهات استشهد ابناؤهن وبناتهن. أفرزت في نفس الوقت صوراً لنساء علي قدر كبير من المسئولية الاجتماعية والانتماء المدهش للوطن.. مجالات عديدة أبدعت فيها المرأة توارت بكل أسف وراء عالم مصنوع ومفكك ضاعت منظومة قيمة الأخلاقية والإنسانية وتبددت صور الولاء للأسرة بل وتبددت أواصر الأسرة نفسها. * سنوات استثنائية في تاريخ التطور الاجتماعي والسياسي شاركت في صنعها المرأة بنسبة تتجاوز في بعض التجليات نسبة مشاركة الرجال تم طمسها في أكثر من 30 عملاً درامياً شهدها الشعب العربي وكل من يتحدث العربية علي طول امتداد العالم من خلال البث التليفزيوني علي أي حال أتوقع أن تأتي بأثرها لاحقاً. ولكن المؤكد أنها لم تحظ بالاهتمام الكافي علي مستوي الانتاج الدرامي. * النساء كما ظهرن في عالم الدراما الفسيح والمكلف مادياً. يعشق في عتمة الجهل والخرافة والتسليم بمعجزات المشايخ وبركة الدجالات. يمارسن القتل بقلب بارد. يعشعش في ادمغتهن صورة الرجل كأمل وحيد في حياة مستقرة عاطفياً وأسرياً حتي لو كان تاجر مخدرات. أو بلطجي نصاب أو فحل لا يملك من مقومات نجاحه سوي قدرته الجسمانية. * أكثر ما يضير في ملامح "المجتمع" الذي تم بعثه علي الشاشات العربية أنه مجتمع قاطع الصلة بالقانون. مفاهيم العدالة محصورة في الفعل الفردي. الحق لا يأتي عن طريق العدالة كما تحددها القوانين.. المخيف أن هذا بالفعل المفهوم السائد نتيجة تباطؤ الاجراءات وتواطؤ المجتمع لأنه ذكوري الطابع والطبيعة ضد المرأة.. والمأساة أنه تواطؤ عفوي نابع من ثقافة راسخة تدعمها المرأة وتكرسها.. اذن نحن في حاجة إلي ثورة حقيقية في المفاهيم المسيطرة علي مقدرات العلاقة بين الرجل والمرأة والمفارقة المثيرة للسخرية فعلاً أن نسبة المرأة المعيلة في المجتمع المصري عالية. أعني المرأة المسئولة عن إشباع الأسرة. من "الخبز". بينما الرجل السيد يسود بذكورته وظله "ظل راجل ولا ظل حيطة" كم الانتاج الدرامي يعكس حيوية انتاجية ورأسمال فائق الحماس لانتاج درامي لا يحقق رعاية فكرية. أدبية. إنسانية للأوضاع الاجتماعية والثقافية. المال الخاص * المال الخاص وما ادراك ما المال الخاص متحرر من أية مسئولية أدبية. وأخلاقية. سياسية واجتماعية الخ. المؤلف الدرامي لا يكاد يلتفت البتة إلي السياق الاجتماعي السياسي الآني بعد ثورات تندد بالمظالم المخيفة التي خلفتها ديكتاتوريات مستبدة وقوي ظلامية إرهابية. الأمر الذي يدعونا إلي التنبيه إلي مسئولية الدولة ازاء الابداع الدرامي ووظيفته التي ينبغي أن تتجاوز مجرد الترفيه الاستهلاكي السريع. وقد لاحظنا فعلاً إهداراً واضحاً للقيم الجمالية والفكرية والأخلاقية وهناك فارق أصيل بين غياب القيم الأخلاقية وبين التقييم النقدي علي أساس أخلاقي. * معظم الأعمال الفنية تعكس مجتمعاً مسكوناً بالعنف الدموي. والمرأة ليست بعيدة عن هذا الدنس كما أنها حسب ما شاهدناه مهووسة جنسياً إلي الدرجة التي تجعل المشاهد يتصور أننا نعيش في مجتمع فاقد الأهلية وبلا عقل. ناهيك عن تجاهله أو بالأحري احتقاره التلقائي للقانون. * النسبة الأكبر من النماذج النسائية تم توظيفها درامياً للمفاهيم التي تضعها داخل أطر غير جديرة بالاحترام دعونا نستعرض بعض النماذج في مسلسلات مهمة ومؤثرة وحققت نسبة مشاهدة عالية. وأنا أعني تحديداً "سجن النساء" وحاول أن استطعت أن تقف أمام نموذج ايجابي واحد داخل هذا السجن الكبير.. حاول أن تعثر علي نموذج فتحية العسال نفسها المرأة التي عاشت تجربة سياسية متميزة ودخلت السجون واشتبكت فكرياً مع هؤلاء الضحايا من النساء. وكتبت عن هذه التجربة.. لن تجد فتحية العسال في أي من النماذج العديدة التي تابعنا حكاياتهن. * في سجن آخر أوسع وأعني سجن الجهل والعتمة الفكرية وحصار العوز وقصور المجتمع في تلبية حاجات افراده ستواجه بألبوم فاضح وكاشف عن نماذج نسائية صادمة. * ما هو جوهر ما يمثله بنات "سيد نفيسة" في "السبع وصايا" منذ الوهلة الأولي ستجد نفسك أمام متاهة وتناقض شديدين بين الظاهر وما سيكشف عنه الباطن في رحلة الخلاص الروحي التي تنتهي بالهلاك للجميع. أتحدث عن المدلول الإنساني والقيمي وصراع الخير والشر إن كان ثمة "خير" في أي منهم. ذكرني "المجتمع" المصور بالجحيم: "أيها الداخلون اطرحوا عنكم أي أمل" تأمل في هذا السياق "النسوان" أبو هيبة في "جبل الحلال" وبنات "لير" الصعيدي في "دهشة". * أتوقف أمام نماذج إنسانية وأحاول أن اتحسس أي بارقة "وهج" يضئ نهاية النفق. المرأة في جميع تجلياتها تمشي بقوة إيمان مغروس غرساً منذ مئات السنين في مدار الرجل لا تحيد بالحب أو بالكراهية لا فارق الفقيرة مثل الغنية المتعلمة مثل الجاهلة. "سي السيد" مسكون فيها "ترقيه" وتدعو له من الحسد كل علي طريقتها. الاختلاف فقط في الأسلوب. "فالست أمينة" ليست بدعة الرجل وحده وإنما البدعة التي كرستها المرأة في اطوارها منذ الطفولة وحتي الشيخوخة. "الباب" الذي حاولت أن تفتحه أمثال لطيفة الزيات والدكتورة ميرفت التلاوي مازال مُوصداً مجتمعياً وفكرياً ووجدانياً.. فالمرأة ضد المرأة ومنظومة القيم السائدة تكرس مفاهيم بائدة وظالمة تروج لها الدراما التي باتت أكثر رجعية ويمينية في توجهها ازاء قضية "الجندر" gender بمعني النوع الجنسي. الفقر والانحراف * النساء في المسلسلات 2014 محجبولات علي الرذيلة علماً بأنهن لسن مُجبرات علي ممارستها لشراء الخبز. الفقر وحده لا يمنح الداعرة مبرراً للانحراف. ثمة نماذج للمرأة قليلة ومقبولة لاقترابها من الواقع مثل نموذج كنده علوش في "عد تنازلي" وهالة فاخر في "ابن حلال" ونموذج سهر الصايغ وريهام سعيد في نفس المسلسل وبالطبع نموذج "شمس" اللي قدمته ليلي علوي. لكن بكل أسف لم يؤثر. من المظاهر السلبية التي جاءت في الصور الممثلة لنماذج النساء المصريات لغة الخطاب. اعني الحوار الايحائي المحمل بإفيهات البذئ والخشن والخادش لحساسية مجتمع محافظ في غالبيته "دلع البنات أطاطا عطعوط صاحب السعادة". صحيح أن الشر والانحرافات الأخلاقية وصور المرأة الفتاكة. والمرأة الشيطانة. و"الشرشوحة" والشرسة سليطة اللسان. والغانية والداعرة الخ. الخ هذه الصور متجذرة فعلاً في صناعة الترفيه الجماهيري. الفيلم والدراما التليفزيونية والفيديو كليب.. الخ وتعتبر الأكثر اثارة وجاذبية ولكن من قال إن الدراما التي انتجها تليفزيون الدولة في عصوره اللامعة لم تكن جاذبة للناس ومؤثرة فيهم للدرجة التي تتحول فيها الشوارع إلي طرق ساكنة فارغة لأن الناس تجلس في البيوت أمام أجهزة التليفزيون؟ "ليالي الحلمية رأفت الهجان " هناك بالضرورة أمام هذا المهرجان الصاخب المسلي الفارغ من مضامين تسهم في تطور إنساني وقيمي. هناك ايذاء تلقائي يطول وضعية المرأة علي المستوي الأدبي باعتبارها مخلوقاً يحتل مرتبة أدني من الرجل منذ أن تولد. والمشكلة أنه نوع من الايذاء أسهمت فيه المرأة وتسهم في استمراره وتجذره في الوجدان الشعبي وفي لغة الحوار الدارج. إنها بالضرورة حسب نسق القيم المسيطرة مفعول به وتابع علي غير الحقيقة في ميادين كثيرة ولانراها فاعلاً إلا في دوائر الانتقام "سجن النساء نموذج". والمؤكد أن المرأة من زوايا عديدة تتعرض للتمييز والايذاء النفسي والبدني المباشر وغير المباشر في مجتمع ينتصر للرجل ويمنحه سلطات وامتيازات تحرم منها المرأة "تعدد الزوجات والعشيقات والسلطة المطلقة في العلاقة مع المرأة. وخيانتها دون محاسبة مجتمعية.. الخ.. بالإضافة إلي التفضيل المطلق له في كثير من المناصب التي تحرم المرأة منها". من الأمور المستقرة في العقل الواعي وفي اللا وعي وفي سياق الثقافة الدينية المتغلغلة. أن المرأة جسد أكثر منها عقل أو مقدرة علي الإدراك السليم.. ومهمتها الأولي التي تتكئ عليها في تحقيق مكاسبها استغلال هذا "الجسد" لتحقيق الرضا للرجل وهناك "نجوم" كبار حريصون جداً علي تأكيد صورتهم الذكورية وخلق صورة ذهنية لهم كرجل "ذكر" "Macho) تدوب فيه النساء حتي آخر عمره ولو وصل إلي مرحلة الشيخوخة. وكثيرون من نجوم صغار يتسمون بالوسامة يعزفون علي هذا الوتر من خلال الكتابات التي تؤكد المفهوم المتدني "للذكورة". في السنة السودة كحكم مرسي للجماعة الإرهابية كدنا نؤمن أن المرأة مجرد نصف أسفل. مجرد موضوع لحجرات النوم. مجرد شيطان أثيم لا يتجاوز دورها امتاع الرجل.. راجع الفتاوي والأحاديث و"النظريات" الخاصة بالمرأة.. ومؤخراً استخدموها دروعاً بشرية تحميهم. وناقل أسلحة وأموال لتدعيم "ايدولوجيتهم". الأم "مدرسة" أعدت وفق منهج رجعي تقليدي ذكوري الطابع وبنسق من المبادئ يؤمن بقوة الرجل البدنية التي تخول له وضع قانون الغاب موضع التنفيذ. وتمجد الانتقام الفردي "ابن حلال" وبالمناسبة "الحل الفردي العنيف" من بين ما روجت له كثير من الأعمال الدرامية في السينما والتليفزيون. "الأم" أسيرة قيم مادية استغلالية لا تمانع في تقديم أبنائها لسوق العمالة.. وسوق الدراما لاستغلالهم في أدوار تحولهم إلي مساخيط يقلدون الكبار.. قليلة جداً الأعمال التي تناقش الطفولة من منظور يخدم مبادئ التربية السليمة. تابع مسيرة الأطفال الإناث ومنهن من أصبحت في مصاف النجوم. لن ينصلح حال المرأة وأشكال تمثيلها علي الشاشة وفي الأعمال الدرامية إلا بإصلاح المجتمع ككل امرأة ورجل وأطفال وحتي لا نلقي بكامل المسئولية علي النظام الرسمي لابد أن نبدع روافد عملية تسهم في محو الأمية. وفي نشر الوعي السليم. وأدائه أشكال الوسائط الجماهيرية الموظفة بوعي أو من دولة وعي لشد المجتمع إلي الوراء.