يتلصص في الأمكنة. نظراته زائغة تتطلع إلي المجهول بين ثنايا الأرصفة والطرقات والعالم اليوم علي اتساعه خلا من الصراصير! في توجس تترقبه عيون وهو يبطن ما انتواه حتي ينقض علي فريسته. عمر لا ينتظر وقد أبلغه فيما يشبه الانذار ان الغد آخر يوم لتسليم النشاط وعليه ان يختار بين الصرصار والنملة والذبابة والسمكة والأرنب والفأر! كلها خيارات مؤلمة وبالأمس القريب وضع حدا لسخافات الذبابة اللزجة التي كانت تترذل عليه بمكتبه بأن صفعها بالأهرام قبل أن يعاود قراءتها بارتياح ولو يعلم لما أجهز عليها للحظة كهذه.. ما أهون سخافتها بمحنة اليوم!! وثمة أمور تقع علي كاهله كالقضاء المستعجل لتذهب المدرسة بطلباتهم للجحيم وعمر لا ذنب له ومنتصف يناير يوحي بنوة مخيفة والنمل لا أثر له علي الاطلاق ومنذ زمن لم يلمح فأرا والأرنب حلم لم يسع إليه كوليمة فكيف يبتاعه ليسلمه مختارا من أجل نشاط مدرسي؟! والأمل في العثور علي صرصار أوشك علي النفاذ. إذن لم يعد في قائمة الخيارات سوي السمكة لكن دكاكين اسماك الزينة ابعد ما كان يخطر علي بال. ولا مناص اليوم عن اقتحامها. والتردد والارتباك والصمت أمام البائع تمخض عن ابتياع سمكة صغيرة بعشرة جنيهات تتحرك في ذهول داخل اناء مملوء بالماء حتي ثلثيه. حمله ومعه كيس صغير من حبيبات طعام. مضي برهبة من اقتراف ذنب. اثقل ضميره وفرحة عمر تتجسد أمام ناظريه فتغالب شعور الذنب للحظات معدودة ويعاوده وخز الضمير. حرص عمر علي اسقاط حبيبات الطعام للسمكة قبل حملها إلي المدرسة. في عمله لم يزايله طيف السمكة المغلوبة علي أمرها وايدي تتحكم في مصيرها. فور عودته بادر عمر بالسؤال عنها. اجابه سعيدا بأن حصل علي الدرجة النهائية في النشاط ثم ما لبث ان اعتراه وجوم وهو يشيح بنظراته بعيدا قائلا: لكنها ماتت في الحصة الثالثة.