في كل بلاد الدنيا يعي الموظف ويفهم جيداً مهما علا شأنه انه خادم للناس. أي انه يقدم خدمة مقابل أجر يسدده دافعو الضرائب. كل يوم يبتكرون ويبدعون لتطوير الأنظمة الإدارية بما يخدم المواطنين المترددين علي المصالح الحكومية فتجد تيسيرات بلا حدود. سواء بتطبيق نظام الشباك الواحد لإنهاء كل الأوراق المطلوبة أو توفير استراحة مريحة للانتظار. إلخ. في المقابل نحن نبدع في تعقيد الأمور. فالموظف يتعامل معك علي انه سيدك وتاج رأسك وعليك السمع والطاعة طوال فترة تواجدك في مملكته وإلا أصابتك اللعنات وتعطلت مصالحك وكله بالقانون الذي يفسره كل موظف علي هواه. لا أحب التعامل مع موظفي الحكومة وأتحايل حتي لا أذهب إليهم إلا في الضرورة القصوي.. وهذه الضرورة استدعت أن أذهب مؤخرا إلي جهتين حكوميتين هما التأمينات الاجتماعية والتليفونات لأشاهد بنفسي حجم معاناة الناس. في فرع التأمينات بالحي المتميز بأكتوبر وضعوا نظاما ممتازا لإنقاص وزنك لأنك ستجد نفسك مضطرا للتعامل مع موظفين أحدهما في الطابق الأرضي والآخر في الثالث وتظل طالع نازل بينهما وأخيرا تأتيك الموافقة علي طلبك قبل أن تطلع روحك. ثم تأتي الخطوة الأخيرة عند موظفة "كبيرة في السن" ترمقك بنظرة فاحصة من أعلي لأسفل وبعدها تقلب ملفك عدة مرات وكأنها تتمني وجود خطأ دون النظر لأعصابك التي تحترق لأن الخزينة علي وشك الإغلاق في الثانية عشرة. ولا أدري من العبقري صاحب فكرة ان الخزينة تغلق قبل نهاية عمل الموظفين بثلاث ساعات وما الهدف والمغزي من اضاعة وقت الناس الذين ينهون الإجراءات في يوم أو أكثر ثم يعودون في يوم آخر لسداد الرسوم؟! وحكايتي مع التليفونات لا تقل اثارة أو سخافة وبدأت منذ ستة أشهر عندما تعطل تليفوني الأرضي وهو أمر معتاد ويتم اصلاح العطل غالبا خلال يومين أو ثلاثة علي الأكثر لكن هذه المرة لم يتم اصلاحه لا في يومين ولا حتي شهرين. وعندما استفسرت علمت ان لصوصاً سرقوا الكابل الرئيسي للمنطقة التي أقيم فيها بالقرية السياحية الأولي التابعة لسنترال أول أكتوبر وان المشكلة عامة ولا تخصني وحدي. ولأنني - كما ذكرت - من النوع المصاب بالحساسية من المصالح الحكومية فقد تركت الموضوع لجيراني الذين قاموا بالواجب وترددوا علي السنترال أكثر من مرة وفي كل مرة يحصلون علي موعد جديد لعودة الخدمة وكلها مواعيد مضروبة. لم يفت جيراني خلال ترددهم علي السنترال أن يسألوا عن موقف فاتورة ابريل ورد عليهم المدير بنبرة حاسمة وبثقة لا تخلو من السخرية "هاتدفعوا علي إيه".. ثم كانت المفاجأة ان الفواتير صدرت ومعها غرامة تأخير لأن السكان صدقوا المدير ولم يسددوا الفواتير في الميعاد. أما المفاجأة الأغرب والأكثر إثارة فتمثلت في ان معظم الفواتير ان لم يكن كلها جاءت بمكالمات زائدة رغم قطع الخدمة وسرقة الكابل كما قالوا. وعلي طريقة الفنان الكبير عادل إمام في مسرحية "شاهد ما شفش حاجة" سددنا الفواتير بالمكالمات الزائدة والغرامة علي أمل إعادة الخدمة.. وما زلنا ننتظر الفرج!! تغريدة: شيء جميل أن يتكاتف المجتمع بكل مؤسساته لمواجهة التحرش. بشرط ألا تستغل بعض الفتيات "الهوجة" الحالية للانتقام وتصفية الحسابات.