جاءني صوتها الضعيف المهتز عبر التليفون يبكي قبل ان تبدأ الحوار: * سيدتي: لا أعرف كيف أتحدث إليك أو كيف ابدأ في مشكلتي التي اتعبتني كثيراً منذ عشر سنوات.. والتي لا يوجد لها حل لأن السبب لم يتغير.. السبب يا سيدتي هي عاهتي فقدمي أصيبت بشلل الأطفال منذ طفولتي وحرمتني أشياء كثيرة قهرتني.. لكنني لم أشعر بالانهزام إلا عندما احببت.. بدأت القصة عندما تقرب مني زميلي في العمل وأظهر حبه لي وعندما أخبرته بأنني معاقة وأن أهله لن يقبلوني.. قال: هذه حياتي ولن يتدخل أي شخص في زواجي.. ووجدتني بدون شعور منخرطة في حبه ولم اتمكن من السيطرة علي مشاعري حتي أصبحت أعبده. وبعد عامين من حبنا سألته متي تتقدم لي فقال: مجرد ان تنتهي الشقة أولا حتي استطيع تجهيز المهر والشبكة وخلافه.. ثم مر الوقت سنة فسنة.. حتي وجدتني أمام كلام الزملاء الفاحش.. فسألته متي تتقدم لي فكلام الناس أصبح يمثل لي كارثة وسمعتي أصبحت لبانة في أفواه الناس وهنا كانت الصدمة التي أفقدتني توازني.. قال أن أمه لا توافق عليّ.. وعندما ذكرته بما قاله عن عدم تدخل أي شخص في حياته قال هل أخالف أمي؟ حاولت أن ابتعد عنه لم أقدر.. وظللت معه ظنا مني انه يعاني مثلي.. حتي بعد ان خطب وتزوج بالفعل وقد كنت علي وشك الانتحار ليلة زفافه.. فهذا الرجل لي كيف يتركني.. لكنه لم يتركني ظللنا مع بعضنا كنا نتقابل كل يوم تقريباً وهذا كان يؤكد لي أنه ليس فرحاً بعروسه وأنه مازال متعلقاً بي.. نخرج من العمل معاً نتغدي ويعود لها في الليل وكأنه ساكن في بنسيون.. ومر علي هذا عام كامل.. حتي قابلت والدته صدفة ذات يوم ورحبت بي كثيراً وكنا في فرح زميلة لنا وبالصدفة جلست علي نفس الطاولة.. وظللنا نتحدث طول الفرح وكان ينظر إلينا خائفاً من الثرثرة التي بيننا.. ولأن زوجته الجميلة كانت موجودة فلم يتمكن من الجلوس معي أو ليمنعني من الحديث لأمه كان كل همه ألا تشعر زوجته بنظراتي إليه أو ان يأتي شخص من الغلساء يقول كلمة تفضحه أمام زوجته وخاصة ان اعداءه كثيرون. المفاجأة التي فجرتها والدته أنه يحب زوجته منذ كان طالباً في ثانوي وأنهما مخطوبان منذ تخرجا في الجامعة وأنهما يحبان بعضهما بجنون وأنها تتمني حفيداً وزوجته لم تحمل حتي الآن ويرفض ان يجرح زوجته بالسؤال حتي لانها كل شيء في حياته.. كانت تتحدث أمه بعفوية شديدة لأنها طيبة.. بل عرفت انها لا تتدخل في حياته ولا تحب ذلك!! إلي هنا وشعرت بالأرض تقذفني خارج الفرح.. المشكلة يا سيدتي أنني لا استطيع كراهيته فأنا أحبه وأعرف أنني سأصدق كذبه.. لذا أحاول ألا نتقابل رغم الحاحه في رؤيتي.. ولكنني أرغب في مقابلته أنا أحبه. أرجوك ساعديني ماذا أفعل وكيف أتصرف.. بل كيف أكرهه؟ * عزيزتي: كما عذبتك فكرة كيف تبوحين بما لديك من أسرار لمشكلتك.. يعذبني أيضاً فكرة ما سأقوله لك.. فكم كنت أتمني لو أكون لك الكلمة الحانية التي تنتظرها أذناك أو الهدهدة التي يسعي إليها قلبك ولكنني سأكون لك مجرد دواء مر يحفزك علي التفكير.. فحل المشكلة أي مشكلة يبدأ بصاحبها وما المساعد أو المعالج غير مستشار ودواء محفز كما قلت لك. بداية الإعاقة ليست في قدمك فهناك معاقات متزوجات من أصحاء وما أكثرهن.. ولكن الإعاقة يا صديقتي في قلبك.. وعاهة القلب الكذب.. لقد كذبت علي نفسك كثيراً بداية منذ بدأ يماطلك في التقدم لأهلك.. ثم بعد مسلسل خطبته وزواجه وما تلاهما.. ومازلت تخضعين قلبك لتلك العاهة.. أنت المرض وأنت الدواء وان لم تستجيبي لعقلك فهذا نوع من الانتحار الروحي والنفسي والذي يؤدي للانتحار البدني.. فالإنسان قد يستدعي الموت بالتدريج.. يموت قطعة قطعة حتي يصدق الجسد علي موت الروح والنفس.. أنت آفة قلبك لأنك تكذبين عليه.. فهذا الشاب لا خلاق له يريد الزوجة الجميلة التي يعيش معها يأخذ منها وربما يعطيها القليل فوالدته تقول انه يعشقها ومع ذلك يخونها.. وهذا ليس بحب بل وانما أنانية وحقارة نفس.. وأنت تقدمين له المزيد من الأنانية عندما تتركين له حياتك يتلاعب بها أنت لا تقدرين ان هذا الطفل الفاسد الكاذب يمارس الحقارة بدعمك ودعم زوجته ودعم والدته التي تركته يعمل ما يريده بعلمها أو بتجاهل التدخل في حياته وتربيته.. هذا الطفل لديه مرض سلوكي لعين اسمه حب التملك والعبث بالاخريات ولم يرحم انك فتاة ولا أن لك سمعتك.. هو لا يهمه إلا مصلحته ومتعته.. انتما مريضان ولذلك واجهي نفسك واسأليها السؤال الأهم.. ماذا بعد.. هل تقبلين بدور المحظية العشيقة لو كانت الإجابة نعم.. فقد اخترت الموت علي أن "تتعالجين" وان كانت الإجابة لا.. فستعرفين كيف تتصرفين وتستطيعين زيارتي بعدها لو قررت العلاج لا الفضفضة والبكاء علي أنقاض وهم لا حب.