مازالت قضية تجسيد الأنبياء والرسل والصحابة في الاعمال الفنية مثار جدل ما بين حرمة رجال الدين وادعاء حرية الرأي والتعبير للسينمائيين.. وآخرها ما أثير حول الفيلم العالمي "نوح" الذي تحفظت عليه هيئة الرقابة علي المصنفات الفنية رغم أنه كان من المقرر عرضه أمس الأول ورفضه الأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية في بيان مشترك ليتجدد الصراع بين الذين يطلقون علي أنفسهم "مبدعين" وما بين علماء الدين خاصة بعد إعلان بعض المخرجين الغربيين عن أعمال جديدة أخري سيتم تصويرها قريباً تتناول حياة السيد المسيح وأمه مريم وقصة سيدنا موسي وقابيل وهابيل أبناء آدم عليه السلام.. ويثور تساؤل إلي متي يستمر هذا الصراع وما هي الأدلة علي تحريم مشاهدة هذا الفيلم؟.. يقول الدكتور عبدالرحمن العدوي عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء إن تمثيل الأنبياء وصحابة رسول الله والعشرة المبشرين بالجنة وآل بيت الرسول صلي الله عليه وسلم ينزل بقدرهم ويجعل الناس يتصورون أنهم عاديون كغيرهم من البشر والصورة العظيمة للإنسان الكامل التي في ذهن المؤمنين بهم يجعلهم يتصورون أنهم كغيرهم.. كما أن ا لممثل الذي يقوم بدور النبي يشترك في أعمال فنية أخري تضم مشاهد تتنافي مع ما صوره في دور النبي.. فليس معقولاً أن يجسد مشهداً وهو يشرب الخمر أو أمام راقصة ثم نجده في عمل آخر يجسد دور نبي. إذن كما يري د.العدوي أن الممثل الذي يؤدي هذا الدور من غير المعقول أن نحجر عليه بعده ونمنعه من أداء أدوار اخري في حياته العادية لأن الأنبياء لا تأتي منهم أعمال تتنافي مع الأخلاق والقيم أما ما يتحدثون عن أن ذلك من حقوق الانسان والحرية فنقول لهم إن الحرية يجب أن تكون في نطاق عدم إيذاء الآخرين وتشويه صورة رموزهم الدينية لأن الحرية محدودة ومن أهمها ألا تتسبب في إيذاء الغير بأي شكل من الأشكال.. واضرب لك مثلاً أننا في حياتنا العادية لو اي انسان اراد أن يتحدث عن رئيس دولته أو رئيسه في العمل بصورة غير لائقة وبحركات تثير الضحك والاستهزاء ألا يحاسب علي هذا؟.. وهل هذه من حقوق الانسان؟.. فما بالنا إن كانت هذه السخرية تمس نبياً من الأنبياء!. أكد أن الذين يدافعون عن حقوق الانسان هم أول من يسيئون إليه لأنهم يدفعون الإنسان الذي يطالبونه بحقوقه إلي عدم احترام الآخرين. قال د.العدوي إنه للأسف ليس في ايدي المسلمين شيء يفعلونه علي المستوي الدولي سوي الشجب والادانة وعدم مشاهدة مثل هذه الأعمال القبيحة.. إلا أن عليهم أن يوصلوا رسالتهم إلي مجلس الأمن ومجالس حقوق الانسان يرفضون فيها مثل هذه الاعمال بطريقة حضارية ولا يكون الرفض بارتكاب اعمال فوضوية سواء بحرق السينما التي تعرض الفيلم كما اشيع أو تخريب أي مبان أو منشآت او ارتكاب أعمال قتل وحشية كل هذه التصرفات الإسلام منها بريء فالقرآن الكريم يقول "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". حرمة تجسيد الأنبياء يقول د.إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية إن أمانة الفتوي بدار الافتاء المصرية افتت في هذا الموضوع وأقرت بحرمة تجسيد الأنبياء والصحابة في الاعمال الفنية وذلك مراعاة لعصمتهم ومكانتهم. فهم افضل البشر علي الاطلاق. ومن كان بهذه المنزلة فهو أعز من أن يمثل أو يتمثل به انسان. بل إن الشرع نزه صورهم أن يتمثل بها حتي الشيطان في المنام.. ولقد جاء ذلك في آراء وفتاوي المجامع والهيئات العلمية المعتبرة كمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف. ومجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي. وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي. اضاف أن العمل السينمائي يعتمد علي الحبكة الدرامية وبالتالي قد يتناول أحداثاً غير مطابقة لحياة الأنبياء وما فيها من سيرة عطرة حيث إن المؤلف قد يضيف أحداثاً أو شخصيات من مخيلته ووفق رؤيته وهو ما سيغير من الصورة الذهنية لدي المشاهد وبالتالي تتغير صورة النبي أو الصحابي الذي يؤديه الممثل. اكد د.حمدي طه الاستاذ بجامعة الأزهر أن تمثيل الأنبياء قد يفتح الباب أمام التشكيك في احوالهم وتشريعاتهم وما كانوا عليه في حياتهم والافتراء عليهم بما لم يقوموا به من أعمال أو أقوال أو تصرفات.. مشيراً إلي أن الله تعالي فضل الأنبياء والرسل علي غيرهم من العالمين وذلك في قوله تعالي:"وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم علي قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسي وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيي وعيسي وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا علي العالمين".. وهذا التفضيل الإلهي يقتضي عدم إلحاق أي نوع من الأذي تجاههم حيث إن تناول سيرتهم بما ليس فيهم قد يؤدي إلي إذائهم وهذا ما حذر منه المولي سبحانة وتعالي في قوله "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً". طالب د.طه المسلمين بالمحافظة علي مكانة الأنبياء والوقوف ضد كل من يتعرض لهم بالأذي بالفكر والمنطق.