سوف يظل منهج سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - نبراساً لكل علماء وأساتذة التربية والباحثين في هذه المجالات الإنسانية التي تستهدف بناء أجيال قادرة علي مواجهة كل متطلبات الحياة ومستجداتها بأساليب علمية تتناسب مع مراحل العمر التي يمر بها النشء منذ صغره وحتي يصير شابا وعندما يصل إلي مرحلة متقدمة يكون قد اكتمل نضجه ويتحول إلي نموذج وقدوة للآخرين وأسوة حسنة يساهم بجهد بناء في خدمة الأمة والمجتمع بكل فئاته. وقد كان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - معلماً لكل البشرية في سائر الأمور التي تتعلق بتربية الإنسان منذ نعومة اظافره فقد وسع الرسول - صلي الله عليه وسلم - الناس بخلقه الكريم فصار لهم أباً. رحيماً بكل إنسان دائم البشر. لين الجانب يرتاح إلي جواره سائر بني آدم فها هو - صلي الله عليه وسلم - يضع الأسس التربوية بأسلوبه الكريم في تقدير وتوقير الكبير والرحمة بالصغير. ويبدو ذلك جلياً حين جاء أبوبكر الصديق بأبيه أبوقحافة وهو شيخ كبير طاعن في السن لكي يعلن إسلامه أمام سيد الخلق - صلي الله عليه وسلم - وحين رأه الرسول ظهر عليه التأثر الشديد وقال لأبي بكر: لماذا جئت به كنت قد ذهبت إليه في إشارة إلي توقير هذا الكبير ولعل هذه التصرف من جانب الرسول - صلي الله عليه وسلم - يضع قاعدة تربوية أمام اساتذة التربية علي تعاقب الاجيال. ولعل ما يسترعي الانتباه ويؤكد المنهج النبوي في التربية اهتمامه - صلي الله عليه وسلم بالنشء منذ أن يعي كل ما يدور حوله فها هو الرسول يطيل السجود حين قامت طفلة بكل حنان قد استقرت فوق ظهره الشريف فلم يرد أن يثير قلقها وبكل الرحمة أخبر كل من سأله عن سبب هذه الاطالة قال بكل هدوء إن الصغير يجب ان نترفق به حتي يكبر وفي داخله جوانب إنسانية تنمو بداخله فينشأ بصورة سوية تخلق فيه عضوا نافعاً في مجتمعه ومما يؤكد ذلك ما قاله أنس بن مالك: خدمت رسول الله - صلي الله عليه وسلم - عشر سنين فما سبني ولا ضربني و لا نهرني ولا عبس في وجهي. ولا أمرني بأمر فتوانيت فيه فعاقبني. فإن عتب أحد من أهله. قال: دعوه فلو قدر لكان. وكان أشد الناس لطفا وهذا الاسلوب يتفق مع ما يراه اساتذة التربية في علوم الطفل وسلوكياته وطرق تقويمه. وحينما نمضي مع منهج رسول الله - صلي الله عليه وسلم - نجد الكثير من الدلائل والشواهد تضيء لنا معالم الطريق في أساليب التربية وقد يكون أنس بن مالك أفضل النماذج لأنه نشأ في هذا البيت النبوي وهو طفل في العاشرة من عمره حتي بلغ العشرين من العمر. فها هي أم سليم بنت ملحان والدة أنس بن مالك قد أخذت بيد ابنها الصغير وذهبت إلي رسول الله - صلي الله عليه وسلم وقالت يارسول الله: هذا ابني وهو غلام كاتب. معبرة عما يجيش في صدرها من اطمئنان بأن رسول الله هو أفضل من يرعي قواعد التربية السليمة في رعاية هذا الطفل وقد استقر في وجدان الأم هذا اليقين من خلال تعامل الرسول مع كل الطوائف ومختلف الفئات إذ لا يمكن لأي أم أن تضع فلذة كبدها في هذا العمر المتقدم دون أن تدرك أن فلذة الكبد سيكون لدي شخصية أمينة تحفظ لهذا الطفل جميع حقوقه وضمان عدم انحرافه سلوكياً أو أخلاقياً. وقد تأكد لدي أم أنس بن مالك هذه الحقائق مما دفعها إلي الإقدام علي هذا العمل دون مجازفة بمستقبل ابنها وتركه في مهب الريح. في نفس الوقت كان الرسول - صلي الله عليه وسلم - علي مستوي المسئولية فقد حفظ الابن ووضعه في بؤرة اهتمامه ومحل عنايته وها هو أنس بن مالك يؤكد هذه الرعاية الأبوية والتربية السليمة من جانب الرسول نجده. فيقول "بكل فخر لقد خدمت الرسول - صلي الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي: أف قط ولا لشيء تركته لم تركته ولا لشيء صنعته لم صنعته" فقد أخذ الرسول العهد علي نفسه في تأهيل هذا الفتي الصغير وفق الأسس التربوية السليمة حتي بلغ سن الشباب. وهو يتمتع بحسن التصرف والأسلوب الأمثل في التعامل والسلوكيات التي كانت مضرب الأمثال وتلك هي ثمرة التربية السليمة من جانب الرسول لهذا الطفل منذ تركته أمه وكلها ثقة في أن الابن سيكون في بيت كريم وتجري تنشئته بأفضل الاساليب. بعد أن ثبت أن هذا الشاب قد بلغ هذه المرحلة من النضج والاكتمال بدا السرور علي وجه الرسول - صلي الله عليه وسلم - فدعا له بكثرة المال والولد. وقد استجاب الله دعاءه فكان لأنس بستان ينتج الفواكه مرتين كل عام ويوجد به ريحان يصدر رائحة المسك. وقد مات أنس وله أكثر من مائة ولد وحفيد. وقد كانت له مهارة في الرمي وكان يسابق أولاده فكان يتفوق عليهم. وقد روي أنس بن مالك الكثير من احاديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وقد كان محل التقدير والاكبار من أصحاب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ليتنا نتعلم هذه الاساليب لكي نستلهم كل ذلك ونحن نتعهد أبناءنا بالتربية لكي يتأهلوا للمستقبل بأفضل الطرق والأساليب والله الهادي إلي سواء السبيل.