في استخفاف شديد بعقول المصريين قال الخبير الاستراتيجي الأشهر الذي تتخاطفه الفضائيات "إن الاضرابات العمالية التي تشهدها مصر حالياً بفعل فاعل" واسترسل مخاطباً مضيفه مذيع قناة التحرير أحمد موسي "هل يعقل أن تكون هذه الإضرابات المتزامنة محض صدفة؟ "فيرد المذيع المتحفز دائماً "طبعاً لا" لابد أن هناك يداً مدبرة لهذه الاضرابات ثم حل التصريح محل التلميح ليتفق الضيف والمضيف علي ان "الإخوان" وراء هذه الإضرابات". وإذا علمنا ان الاضرابات تشمل عمال غزل المحلة وكفر الدوار والأطباء وسائقي النقل العام وموظفي الشهر العقاري وعمال هيئة النظافة والتجميل وهيئة المساحة فالاستنتاج الطبيعي ان الإخوان أصبحوا القوة رقم واحد في البلد. وليس صحيحاً ان قدراتهم تراجعت كما يؤكد نفس الاستراتيجي ونفس المذيع. "والله حرام عليكم" هذا التسطيح المريع للقضايا والمشاكل التي يعاني منها المجتمع خاصة عماله وموظفيه. والحقيقة ان الذي يقف وراء هذه الإضرابات والاعتصامات هي حكومة الدكتور حازم الببلاوي المستقيلة. فعندما اتخذت الحكومة قرارها الذي تعتبره أعظم إنجازاتها وهو الحد الأدني للأجور جاء القرار مبتوراً يشوبه العوار. بعد أن استبعد عمال شركات قطاع الأعمال العام والقطاع العام والهيئات الاقتصادية من الحد الأدني علي خلفية ان دخول عمال الشركات تتجاوز الحد الأدني. وهو كلام غير دقيق فهناك عدد كبير من الشركات وفي مقدمتها قطاع الغزل والنسيج والذي يضم الجانب الأكبر من عمال قطاع الأعمال العام لا تصل متوسطات الأجور فيه إلي الحد الأدني ولو كان أي مسئول في الحكومة المستقيله قام بزيارة لشركة غزل المحلة أو كفر الدوار لكان قد شاهد علي أرض الواقع أحوال العاملين الكادحين. واذكر انني وبعض أصدقائي قمنا بزيارة قبيل ثورة 25 يناير لشركتي غزل المحلة وغزل شبين وكانت الاضرابات والاعتصامات وقتها تعم الشركتين. وقام العاملون بإطلاعنا علي مستند الأجر والذي كان وقتها يتراوح بين 400 و500 جنيه بعد عدة سنوات من العمل وليس بداية الأجر. سائق أتوبيسات النقل العام أيضاً يطالبون بالحد الأدني الذي قررته الحكومة لموظفيها دون باقي العمال لأن أحوالهم المعيشية صعبة. أما مشكلة الأطباء فهي مثارة منذ قيام الثورة واستمرت بعدها وكذلك حال العمال المضربين أو المعتصمين. هي مشاكل حقيقية يعاني منها الشعب. ولا نستطيع أن نقول له لماذا تطالب بحقك الآن فهو انتظر ثلاث سنوات وعندما صدر الحد الأدني وجده يطبق علي البعض دون البعض الآخر "علي أساس انهم مش حكومة". وإذا ابتعدنا قليلاً عن العمالة الحكومية وأشباه الحكومية نجد فشلاً ذريعاً في تطبيق الحد الأدني علي عمالة القطاع الخاص التي تمثل القطاع الأكبر من العمالة. نعم التوقيت حرج والاقتصاد يعاني ومصادر الموارد الرئيسية مثل السياحة مهددة. نعم ذلك. ولكن الدولة كان عليها أن تعرف كيف تخاطب الشعب بشفافية وصدق. كان عليها أن تدرس جيداً قبل أن تصدر قرارات غطت آثارها السلبية علي جوانبها الإيجابية. كان عليها أن تضع خطة متدرجة لتطبيق زيادات الأجر لجميع العمال تلتزم بها بكل دقة حتي تكتسب الثقة والمصداقية لكن للأسف فشلت الحكومة في كسب ثقة الشعب فانطلقت الاضرابات من كل حدب وصوب وبدلاً من أن تناقش وسائل الإعلام "وهي شريكة في الأزمة" المشكلة بشفافية ووضوح وصدق وجدناها علي العكس تستخف بمشاكل قطاع عريض من الشعب وتوجه الاتهامات مستخدمة فزاعة الإخوان التي عفا عليها الزمن.