يبدو أن الصحافة ودهاليزها ستكون لعدة سنوات قادمة مسرحاً لأحداث روايات جديدة تدور داخل المؤسسات الصحفية سواء ما يعرف سابقاً بالمؤسسات القومية أو الخاصة والمستقلة. ويبدو أن الشخصيات الصحفية تثير لعاب الروائيين والكتاب بسبب ثراء هذه الشخصيات سواء كانت في أعلي السلم الوظيفي أو أدناه. من أحدث الروايات التي ظهرت في السوق "حنظلة.. صديقي رئيس التحرير" للكاتب الصحفي ياسر بكر من مخضرمي دار الهلال ومجلة المصور. الرواية 94 صفحة من القطع الصغير تدور أحداثها داخل إحدي المؤسسات الصحفية. ويعترف ياسر بكر في مقدمة روايته أنها "ليست الأولي ولن تكون الأخيرة" في سلسلة روايات عن واقع الصحافة في مصر. بدأت ب "اللص والكلاب" و "زينب والعرش" و "الرجل الذي فقد ظله" مروراً ب "سنة أولي حب" و "دموع صاحبة الجلالة" وانتهاء برواية "الواطي" ونسي ياسر بكر روايتين أخريين مهمتين ظهرتا في الفترة الأخيرة. هما "ودع هواك" لأشرف عبدالباقي و "26 أبريل" لخالد إسماعيل. هذه الروايات مجتمعة تدور حول قيمة واحدة وهي رئيس التحرير المخادع أو الجاهل أو المبتز والذي تقوده المقادير ليعتلي أعلي سلطة في الجريدة وهو يفتقد المؤهلات والمهارات اللازمة لشغل مثل هذا المنصب ويشترك أغلب الشخصيات في وضعية اجتماعية واحدة وهي ما دون الصفر. ثم يصبحون فجأة من أصحاب الثروات والعلاقات وأصحاب الغزوات النسائية والعلاقات المتشابكة مع أجهزة الأمن والشخصيات النافذة في مجتمع المال والاقتصاد. الشخصيات الرئيسية في حنظلة.. صديقي رئيس التحرير هو الأستاذ الملواني ابن عبده الصرماتي الملواني بدأ حياته الصحفية وهو تلميذ في المدرسة كان يقرأ الجريدة لصاحب مصنع دخان كف بصره.. القراءة مقابل قرش صاغ يوميا. هذا المبلغ كان فتحاً اقتصادياً للملواني الصغير وأسرته. الملواني محرر حوادث فاشل تحول إلي "هتيف" في انتخابات نقابة الصحفيين ثم بودي جارد لرئيس تحرير. ومن محرر فاشل دائم الاستدانة من الغير إلي رئيس تحرير "لابس حرير في حرير" مودعاً أيام الضنك والضني. يصفه ياسر بكر بأنه بدأ حياته "قارئاً مأجوراً" لحساب الغير ومن عجائب المقارنة ينتهي به المطاف إلي كاتب مأجور لحساب الغير. شخصية أخري في الرواية موازية لشخصية الملواني الذي صعد ثم هوي.. هي شخصية "حنظلة" الذي اعتلي موقع رئيس التحرير بدلاً منه والملواني الذي كان يصول ويجول في صالة التحرير. خفت صوته عند قدوم موعد التغييرات الصحفية "بعدها بأيام حملت التغييرات في قيادات المؤسسات وجوهاً باهتة صحفيا. ولا تتمتع بقبول واحترام الصحفيين. فقد جاءت التغييرات برئيس تحرير مقامر. اعتاد الزواج العرفي بالساقطات علي موائد القمار" التغييرات جاءت بحنظلة رئيساً للتحرير "حنظلة شاب أسمر سمرة داكنة أقرب إلي لون البني المحروق في نهاية العقد الثالث. لكنه يبدو في العقد الثامن" كيف جاء حنظلة إلي رئاسة التحرير؟ الطريق إلي رئاسة التحرير في كل الصحف والمؤسسات كما هو معروف قبل ثورة 25 يناير يأتي عن طريق الأجهزة الأمنية وهو ما كان يفتخر به بعض رؤساء التحرير فيما سبق. وفي الرواية أفصح الملواني عن كيفية مجيء حنظلة إلي الجريدة حيث قال حنظلة ذات مرة في مجلس التحرير موبخاً إياه قائلاً: "أوعي تنس إللي جايبك من البكبورت".. ولولا أن اللواء الجبالي في أمن الدولة باس جزمتي مكنتش قبلتك لحظة واحدة في الجرنال". ويبدو أيضا أن قضية تسوية الحسابات جزء من كل الروايات التي تعاملت مع الصحافة وجعلت المؤسسات كأن اللاحق يذيق السابق بعضاً مما أذاقه له أثناء رئاسته لمثل هذه المؤسسات المهترئة الملواني الذي أهان من قبل حنظلة. جاء عليه الدور لينهي خدمته في الجريدة بنفس الطريقة المهينة. حنظلة يبلغ رئيس تحريره السابق باعتذار الجريدة عن خدماته وفي مجلس التحرير أيضا وعلي الملأ. مما جعل الملواني يحدث نفسه "هذا جزائي لقد آويت هذا الفأر الجربان في جيب معطفي". باقي شخصيات الرواية باهتة. مجرد أسماء لا تحرك حدثاً. ولا تحركها أحداث.. زكي رشدان. وراجي الشريف. ولويزا باسيلي. وان كانت الرواية مثل غيرها التي تعامل مع هذا الوسط مليئة بالمعلومات التي يعرفها كل من عمل في الوسط الصحفي. الرواية تقع في سبعة أجزاء. أقحم في الجزء السادس والسابع أحداث ثورة 25 يناير وإن كانت أحداث "حنظلة.. صديقي رئيس التحرير" قد بدأت منذ السبعينيات عندما وضع الرئيس أنور السادات أصابعه في اختيار رؤساء التحرير وعهد إلي أجهزته بالبحث عن كل "ملطوط" و "متخربش" أي عليه علامات وبه جروح يسهل الضغط بها عليه ليكتب ما يملي عليه أو ما يطلب منه. لغة ياسر بكر سهلة وبسيطة وموحية إلا أن إصراره علي وصف روايته بأنها "رواية صحفية أبعدتها بعض الشيء عن منحي الأدب. فالرواية هي الرواية لها خصائصها ومقوماتها وإن غابت بعض الشيء في "حنظلة.. صديقي رئيس التحرير" إلا أنه عمل يسجل لفترة ما عندما كانت الصحافة مرتعاً لأنصاف الموهوبين. ولا يعتلي فيها المناصب إلا أصحاب الحظوة ومن بيرضي عنهم أجهزة الأمن أو من يعملون لدي هذه الأجهزة يرتب ومسميات مختلفة. محمد غزلان