بسام الشماع المؤرخ وعالم المصريات له 20 مؤلفاً باللغة العربية والإنجليزية وقاموس آثار مصر بالهيجائية والعديد من المحاضرات بالولايات المتحدة وجنوب إفريقيا يعرف نفسه بأنه عاشق للتاريخ يشعر بالسعادة الغامرة والفخر بحضارة بلاده عندما يترجل في دهاليز تاريخها العريق يجوب في ممرات الحضارة المصرية القديمة يهوي مقابلة الشخصيات التاريخية المتضررة التي لعبت أدواراً مؤثرة وإيجابية غيرت وجه التاريخ المصري والعالمي وامتزج لون بشرتها بطمي النيل الخصب.. يري أن من يقرأ التاريخ يفسر معالم الحاضر ويستطيع وضع رؤية لما يحدث من خلال معرفته للشخصية المصرية الأصيلة فيتعلم الدرس أن المصري لن يقبل الظلم أو الاستبداد وقادر علي صنع التاريخ والحضارة مشيراً إلي المرحلة التي تمر بها البلاد ما هي إلي محطة عابرة ثم يهب المصري ليبهر العالم وستتحول مصر إلي دولة يحكي عنها التاريخ ولكنها في انتظار القائد الذي يجب أن يظهر ليضع مصر في مكانتها التي رسمها لها التاريخ والجغرافيا والسياسة. * من خلال قراءتك للتاريخ كيف تري المرحلة القادمة؟! ** المرحلة القادمة تنتظر ظهور الشخصية القائدة الرشيدة التي تعمل علي لم شمل كل الفصائل والتيارات حتي لا تستمر حالة الاحتقان بين الفصائل المتناحرة وحتي لا يزداد الضعف الاقتصادي والسياحي والإنفلات الأمني وأن تعمل هذه الشخصية التي تتسم بالزعامة علي التوافق لكي تقلل المدة الانتقالية والمرحلة الحالية تحتاج الإسراع بالانتخابات الرئاسية والتخلي عن الاستقواء بالخارج. * لماذا تتهم الشخصية المصرية بأنها لا تثور؟! غير صحيح ففي عصر بناء الأهرامات سجل العالم المؤرخ نسيم حسن صاحب موسوعة مصر القديمة أن المصري الجنوبي كان يثور ضد الشمال قبل توحيد القطرين في منطقة "بلاص" وهي تبعد عن الأقصر 27 كيلو متراً وكان الجنوب يرفض التحكم السياسي من الشمال وهذا دليل أن المصري القديم شخصية واعية بحقوقها السياسية وظلت المناوشات السياسية حتي ظهر مينا واستطاع هزيمة الشمال وبدأ عصر الأسرات. ثورة التوريث * وما أول ثورة يقوم بها المصريون؟! ** أول ثورة أطلق عليها الثورة الاجتماعية وهي بعد أن طال حكم الملك بي بي الثاني في الدولة القديمة حيث تبوأ عرش مصر وعمره 6 سنوات فقط وتوفي في التسعين من عمره وهذا يعني أن فكرة التوريث موجودة منذ مصر القديمة.. وما كان من الشعب المصري إلا أن قام بالثورة وقد سميت بالثورة الاجتماعية لأنها ضمت النسيج المجتمعي كله وتحليلي أن طول مدة الحكم أدت إلي فساد الحكومة وهذا دليل أن المصري القديم هو صاحب أول فكرة للحكومة في التاريخ. أول اعتصام سلمي * ماذا عن الاعتصام السلمي في التاريخ المصري؟! ** في الدولة القديمة ظهر شخص مصري يدعي "ايبور" وهو إنسان بائس كتب بالتفصيل عما يحدث في الشارع المصري عندما حدث الانفلات الأمني وشعر الناس بالبؤس والحزن والخوف من الجرائم التي كانت تحدث في الشارع وحالات القتل وظهور أشخاص ارتقوا إلي مراتب اجتماعية عالية لم يكونوا فيها في البداية وأطلق علي هذه الفترة العصور المضطربة ويظهر "خوان ايبور" ليعرفنا الاعتصام السلمي وهو الفلاح البسيط الذي تعرض لظلم فادح من خادم رئيس الحجاب ويدعي جيجوت ومنعه من المرور في الطريق لنقل بضاعته من وادي النطرون إلي العاصمة للتجارة ويحاول الاستيلاء عليها ووقتها قام الفلاح برفض الظلم وقام بالاعتصام السلمي أمام بيت خادم رئيس الحاجب في البلاط الملكي رغم ماله من سلطان ونفوذ.. وجلس الفلاح يصرخ ويطالب بحقوق دون أن يضرب حجر علي بيت الخادم أو يحرق شيئاً أو يدمر أو لا يحطم أو يتلقظ بألفاظ غير مناسبة وسجلت كتب التاريخ أنها أول حالة اعتصام سلمي. * وماذا عن الشرطة والشعب عبر التاريخ المصري؟! * أقدم ثورة في العالم في العصر القديم كانت في موسم الشتاء حيث خرج العمال المصريون من منازلهم في البر الغربي بالأقصر قاصدين معبد الملك مضربين عن العمل للمطالبة بمخصصاتهم في إضراب منظم وكان لزاماً عليهم اجتيازه نقاط حراسة عليها حراس ذوو قوة جسمانية كبيرة ويصعب اختراقهم ولم يستطيعوا العبور إلا بالاتفاق والتعاون مع الحراس "الشرطة" ومن هنا جاءت فكرة الشعب والشرطة إيد واحدة وفعلاً استطاعوا هز باب المعبد ونجح العمال الغاضبون وهذا يذكرنا بوصول المعتصمين إلي باب الاتحادية في 25 يناير وهز باب الرئاسة بالإضافة إلي أن شعار العمال كان "ليس في بيتنا خبز" وهو ما نادي به ثوار يناير "عيش.. حرية" وبالتالي فإن التاريخ يعيد نفسه وعلي الحاكم أن يعي أن توفير العيش والحرية من أهم متطلبات الشعوب. مقتل موسي * هذه الأحداث تحذر الحاكم من غضب الشعب؟! ** علي الحاكم أن يحترم الشعب والدليل عندما ثار المصري في العصر العباسي ضد الوالي موسي بن مصعب وكان متشدداً ويرفع الضرائب علي الدواب والأسواق علي إثرها انطلقت الثورة من الصعيد وهو مفجر الثورات وهاجموا موسي وجنوده ولكن جنوده تمردوا عليه وسلموه للثوار حتي قتلوه..وتظهر شخصية المصري الذي لا يخشي المعتدي في ثورة القاهرة الأولي عندما خرج الصبي وعمره 12 عاماً بعد غزو نابليون لمصر بأربعة شهور وقام بسرقة السلاح من المعسكر وتوزيعه علي المصريين وعندما قبض عليه "ديزه" القائد الفرنسي وهو مصاب بإصابات بالغة وطلب منه الاعتراف عن شركائه وإلا سيقطع رقبته أبي الاعتراف وقرب له رقبته ليقطعها في شموخ وجرأة فحكم عليه ب 30 جلدة تحملها الصبي وسط أهالي بني سويف وهذه القصة توضح أنه لا قمع أو تهديد يحد من ثورة المصري. أول مليونية * ما الأحداث المتشابهة في ثورات القرن العشرين لثورة يناير؟! ** ثورة يناير تشبه كثيراً ثورة 19 حيث إنها كانت ثورة شعب بامتياز اشترك فيها الجميع وظهرت السيدات الثوريات بوضوح وامتزج فيها نسيج المجتمع ككل والتي انتهت بكتابة الدستور المصري وحمل الجميع الهلال والصليب وفي التحرير رفع المتظاهرون المصحف والإنجيل وفي ثورة 52 أشعل شرارتها الضباط الأحرار ليفاجأ العالم بتنظيم عسكري أغلبه من الشباب يطالبون بعزل ملك مصر فاروق لإقامة أول جمهورية وظهرت عبقرية الشعب أيضا في عام 56 عندما تكاتف ضد العدوان الثلاثي والوقوف وراء عبدالناصر في قراره الشهير بتأميم القناة. وحدثت أول مليونية في تاريخ مصر عام 1951 يوم 15 نوفمبر عندما احتشد الشعب ليصب لعنته علي الإنجليز وسياسات الملك وقالت عنها جريدة الأهرام أن الشعب برجاله ونسائه خرجوا ضد المعتدين والغاصبين وشارك فيها أكثر من مليون وهي أكبر تظاهرة شهدتها مصر في ذلك الوقت. * هل يعيد التاريخ نفسه؟ ** نعم التاريخ يعيد نفسه وأن الذين لا يقرأون التاريخ أو ماضيهم يعاقبون بإعادته ففي ثورة يناير 2011 وجدناها ثورة ليس لها قائد ورغم نجاحها المذهل هناك فريق يفضل ثورة القائد الذي يتمتع بكاريزما خاصة وذو شخصية علمية مثقفة ووطنية وبالتالي تنجح مثل هذه الثورات والبعض يفضل ثورة بلا قائد حتي لا يكون له أجندة شخصية فيتخلي عن مطالب الثورة.. وقياساً علي ثورة يناير فإن الشباب الذين فعلوها لم يبتؤأوا أي مكانة سياسة في البلاد بل كانت ثورة حمل فيها الثوار غضبهم من الأحوال الاجتماعية والسياسة والتي لاقت إعجاب الآخرين فشاركوا فيها فكثر العدد وأسقطوا النظام في 18 يوماً فقط.