تمر مصر هذه الأيام بأصعب مرحلة في تاريخها بعد أن اشتعلت الفتنة بين أبناء الوطن الواحد وسقط الكثير منهم بين قتيل وجريح.. أكد علماء الدين أنه لا سبيل للخروج من هذه المحنة إلا بتحقيق مصالحة وطنية مخلصة عاجلة. فكفي ما حدث ولينظر كل طرف من الأطراف المتصارعة إلي مصلحة وطنه وليس إلي مصلحته الشخصية فقط. يطالب الدكتور عبدالرحمن العدوي.. أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر.. بتدخل حكماء المجتمع من أجل العمل علي تحقيق المصالحة الوطنية بعد أن انقسم الناس إلي فريقين في الأسرة الواحدة. ولكل منهما رأيه المتشدد. حيث يعتقد كل منهما أنه علي حق. فمن الملاحظ أن حكماء الأمة ورشدائها تراجع دورهم بصورة ملحوظة. إما خوفاً من التنكيل بهم وبأسرهم أو لانقسامهم علي أنفسهم ما بين مؤيد ومعارض.. لذا فإنه من الضروري البحث عن طائفة من المؤمنين من أولي الرأي والخلق والدين. تقوم بمهمة إصلاح ذات البين بحكمة وإخلاص. فما حدث كسر شيئاً ما في نفوس إحدي الطائفتين المتصارعتين. وربما يكون مجال الحوار والتفاهم أوسع في الوقت الحالي.. ويري أنه لابد من التعامل بحسم مع كل من يدعو إلي العنف أو إراقة الدماء. أو يفتي بإهدار دم المعارضة أو الجيش أو الشرطة. وطالب بإلقاء القبض عليه فوراً. كما طالب الأطراف المتناحرة بتقديم بعض التنازلات حقناً للدماء. ومن أجل إعلاء مصلحة الوطن العليا. فما تمر به الأمة فتنة يختبر بها الله عباده المؤمنين. لذا يجب توعية المسلمين بأبعاد هذه الفتنة حتي يخرجوا منها إنشاء الله سالمين. وعليهم أن يلتفوا جميعاً حول كلمة سواء بعيداً عن التنازع حتي تتحقق أهداف الثورة التي قامت من أجلها.. لاسيما أن الإسلام يرفض العنف بكافة أشكاله. وينبذ العصبية ويدعو إلي السلم والحوار البنَّاء القائم علي المحبة. وبالتي هي أحسن. ويأمر بالعفو والتسامح والصبر علي الجاهلين.. يقول تعالي: "خُذ العفو وأمُر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين". أشار د.العدوي إلي أن رسول الله "صلي الله عليه وسلم" أعطي المثل الأعلي في التسامح. عندما عفا عن أهل مكة وهم مَن آذوه وشتموه وأهانوه ورموه بالحجارة وتآمروا علي قتله وجيشوا الجيوش لحربه.. ومع ذلك فإنه عندما امتلك زمام الأمور في فتح مكة. أطلق عبارته الشهيرة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".. من هنا وجب علي حكومتنا وشرطتنا وجيشنا وشعبنا المصري أن يتخلقوا بأخلاق رسولنا الكريم. فيعفوا ويصفحوا. وعلي مَن كان منشقاً عن المجتمع أن يتعاون مع إخوته المصريين للنهوض بالبلاد وإعلاء شأن مصر عالياً. وفرض الأمن علي أمتنا حتي يتحقق الخير وتعلو راية الإسلام خفاقة.. قال تعالي: "تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم" فكفانا تعطيلاً للعمل وبحثاً عن المصالح الشخصية وليضع الجميع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار حتي لا نشمت بنا الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر.. قال تعالي: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". يري أنه علي وزارة الأوقاف أن تخصص خطبة اليوم الجمعة للدعاء بأن ينجي الله مصر ويبعد عن أهلها شر الفتن. انتكاسة حذر د.رأفت عثمان.. الأستاذ بجامعة الأزهر من التشرذم والصراع الذي يدور بين أبناء الجلدة الواحدة ويري أنه انتكاسة يعاني منها المجتمع المصري في الوقت الحالي.. فمصر تمر بمرحلة عصيبة وتحتاج إلي ما يعلي ويسمو من شأنها لا ما يؤدي بها إلي الانحطاط والتشتت ويضيع من هيبة الدولة.. فما يحدث من تخريب وتدمير للمنشآت وترويع للآمنين خطر داهم يجر البلاد نحو هوة سحيقة لا يعلم سوي الله سبحانه وتعالي كيف ستخرج منها ما لم يتدارك أهلها هذا الخطر ويعملون علي تخطيه وعبوره. طالب كافة أطياف الشعب بالعمل علي رأب الصدع وتقريب وجهات النظر وعدم فرض الرأي بالقوة.. فالشعب اختار طريقه. وعلي الجميع الالتزام بوحدة الصف والاتحاد وعدم التفرق لأن الفرقة ضعف. يتضح ذلك من الحديث الشريف: "مَثَل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد. إذا اشتكي منه عضو تَدَاعي له سائر الأعضاء بالسهر والحُمي". أكد د.عثمان ضرورة التخطيط السليم للحفاظ علي مصالح الأمة والوصول لتحقيق الرفاهية والرخاء للشعب والحياة الآمنة المستقرة. وأنه لابد من التفكير في وسيلة لوقف إراقة الدماء لأن إراقة الدماء في الإسلام جريمة تلي مباشرة الإشراك بالله.. قال تعالي: "من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً. ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً. ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات. ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون".. قد يقول قائل إن هذه الآية خاصة ببني إسرائيل. فنقول لهم إن الحسن البصري سُئل عن هذه الآية فقال "إن الله لم يجعل دماء بني إسرائيل أشرف من دماء المسلمين". ضرب د.عثمان مثالاً بما حدث أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما حاصر منزله الغوغائيون "الفوضويون" يريدون قتله. فالتف حوله العبيد الذين كان قد اشتراهم وأرادوا أن يدافعوا عنه بالسيوف. فرفض ابن عفان وقال لهم: "مَن ألقي السلاح فهو حر" منعاً لسفك الدماء. ولذلك يجب أن يلاحظ هذا المعني الأطراف المتناحرة. يري أنه لا مانع من إعادة النظر في المبادرات التي طرحت مؤخراً حتي نصل إلي ما يجب اتخاذه بعيداً عن سفك الدماء. وهذه مسئولية أهل الحل والعقد الذين يجب أن يقوموا بدورهم. فمصر تضم علماء كباراً يشهد لهم العالم الإسلامي ولا مانع أن يتدخل علماء من جميع الدول العربية والإسلامية معهم حتي يتم تقريب المسافات بين الأطراف المتناحرة.