مصر.. ليست في الاسم

ع البحري

مصر التي نحبها ليست في المطلق. إنها ليست مجرد اسم ذي حروف ثلاثة. نحبها لأن الواجب يقتضي ذلك. مصر طفولة ونشأة ودراسة ومعالم حياة. واضحة أو تعاني الظلال. مصر هي تاريخ المقريزي وابن عبدالحكم وابن تغري بردي وابن إياس والجبرتي والرافعي وسليم حسن. ونضال محمد كريم وعمر مكرم وعبدالله النديم. وملاحظات الطهطاوي. وزعامة عرابي. وخطب مصطفي كامل. وقيادة سعد زغلول. وأبوة النحاس. وعملقة عبدالناصر. وتحدي نبوية موسي وهدي شعراوي وصفية زغلول. وتعاليم الأفغاني. واجتهادات محمد عبده. وريادة توفيق الحكيم. ومواقف العقاد. واستنارة طه حسين. وأفكار سلامة موسي. وتميز المازني وأحمد أمين والزيات. ومستقبلية أحمد بهاء الدين وسيد عويس. ورحلات حسين فوزي في الزمان والمكان. وأبحاث مشرفة وعلي إبراهيم ومحفوظ وسليمان عزمي والباز وعبدالمحسن صالح وزويل. وروايات نجيب محفوظ وعادل كامل والسحار ومكاوي. وقصص إدريس والبدوي والشاروني وحقي وفياض. وقصائد شوقي وحافظ وعبدالصبور وحجازي ودنقل وأبوسنة. وصوت أم كلثوم. وأداء عبدالحليم حافظ. وأستاذية عبدالوهاب. وألحان سيد درويش وداود حسني والقصبجي وزكريا والسنباطي والأطرش والموجي وبليغ وسلطان. وشدو ليلي مراد وشادية ونجاة وقنديل وكارم والبليدي والسروجي والكحلاوي وعبدالمطلب وفايزة وأنغام والحجار والحلو وشاكر. ولوحات عياد ومحمود سعيد وصبري وندا وسيف وأدهم وانلي والنجدي وعبدالحفيظ وسري وأفلاطون ودسوقي وبقشيش. وتماثيل السجيني وصلاح عبدالكريم وأحمد عثمان وعبدالحي. وأفلام كريم وسليم وذو الفقار والشيخ وأبوسيف وبركات والشيخ والإمام وحسين كمال والطيب. ومسرحيات بديع وأمين صدقي ونعمان عاشور ووهبة ودياب ورومان وفرج. ونجومية الريحاني وفاطمة اليوسف وفاطمة رشدي وفاتن وماجدة وسناء جميل وعماد حمدي وسرحان والشناوي وسميحة أيوب ومحمود مرسي وياسين وحسين فهمي والشريف وعبلة كامل. وصلاة الجمعة وليلة الرؤية وليالي رمضان والأعياد وزيارة المقابر والسهرات الدينية. والسير في الميادين والشوارع والأزقة. والسهر علي الجسر أو علي شاطئ الترعة. وحاملات الجرار. وليالي الحصاد. وتاكسي الأرياف. وجلسات القهاوي والغرز والندوات والكازينوهات الليلية. والدخول في دردشة مع ركاب قطار. ويوم الدراسة الأول. وأيام الأجازة. وألعاب الطفولة: النحلة والبلي وعنكب والاستغماية والأولي والمراجيح والأراجوز وخيال الظل وصندوق الدنيا والحاوي والحلابسة. والحب الطفولي لبنت الجيران. والبدل والجلابيب وملاءات اللف واللاسات والطرابيش والطواقي والأقدام الحافية. والنهر والبحر والوادي والبحيرات والجبل والسواقي والنخيل والمصاطب والأجران والساحات وأبراج الحمام. والجوامع والمساجد والزوايا وأضرحة الأولياء وحلقات الذكر والموالد والجلوة ومواكب الطرق الصوفية. وتلاوات القرآن والأذان لرفعت وعلي محمود وشعيشع والمنشاوي ومصطفي إسماعيل وعبدالباسط. والتسابيح والصلاة خير من النوم وصياح الديكة في اقتراب الفجر. والشحاذين والمساليب والمجاذيب والذين علي باب الله وطالبي الستر والبرء والشفاعة والمدد. والمعتقدات والعادات والتقاليد. وطقوس الأفراح والمآتم والسبوع والختان والصباحية والأحجبة والتفاؤل والتشاؤم. وهتاف باعة الصحف واللبن والفول السوداني والترمس والعرقسوس. وأسواق القري في امتداد أيام الأسبوع. والنداءات والدعوات والابتهالات والشتائم والخناقات وبيع المحصول والفصال وبسم الله الرحمن الرحيم ومبارك عليك..
باختصار. فإن مصر ليست في الاسم. نحبها لأن المفروض أن نحبها. حتي حب الوطن لا يعرف الفرض. فلماذا إذن تتفاوت أمزجة الناس ومشاعرهم وتصرفاتهم إزاء وطنهم بين المثالية والواجب والانتهازية؟