استوقفني عنوان "يامحني ديل العصفورة" للأديب الشربيني المهندس.. نعم أي عصفور..؟ ليس عصفور الشرق ولا عصفور النار.. هل هو الحلم المستحيل إذن..؟ توقعت وأنا أفتح الرواية أن تنفلت عصفورة من بين القضبان أقصد السطور. فإذا الجوارح والعقبان والحداءات تنفر مع فر وكر الصفحات التي كتبها المهندس مازجا هندسة أقليدس في المساقط والأبعاد العمودية والجانبية وذلك بهندسة حديثة هي هندسة الفوضي الخلاقة ويطلق عليها المنصفون اسم القص التفريعي أي تماهي السرد ما بين الهنا وهناك في قوام رجراج والخروج من كذا إلي كذا. وهي خاصية عربية صرفة فهي في "ألف ليلة وليلة" ولدي مارسيل بروست في "البحث عن الزمن الضائع" وعند الغيطاني في "نثار المحبر". الغيطاني أغرم بنظم الألوان ولأنه وعي الدنيا وأمامه مبني المسافر خانة العتيق منذ أغرم بالزخارف والمقرنصات ومنحوتات اللفظ.. وأخذته فضاءات غلوية وتراثية.. لكن الشربيني "نحن لا نقارن ولا نفاضل" جاء في الزمن الضاغط.. كتب في زمن الرقع والرقيع.. زمن نسج الفتل وغزل النسائل يا محني ديل العصفورة ابنة العصر "وفرخ هذا الزمن" مقطوعة الخيوط لكنها مضفرة عقلاً. مفككة العقد لكنها موصولة فهاً ووعياً.. هذا هو الفارق بين نسج ونسج وبين خيط حريري ينسل هارباً من قبضة يدك. وخيط من خيش وكتان يخربش المشاعر قبل الجلود ويستكين في جوارحك قبل أن يدميها. إنه عصر الرواية الآن مقطوعة بغير وصل وجيله اتصالي بالنت غالباً وليس تواصلياً مع الآخرين حباً ووداً وولاء في معظم الأحيان. علي حد علمي أنه ومنذ مدت أمريكا وأوروبا مصر بماكينات غزل ونسيج لا تعمل إلا علي أقطان قصيرة التيلة كيداً في القطن طويل التيلة الذي تتباهي به مصر علي العالم والخراب قد حط علي اقتصادنا النسيجي والقطن لقد تطاولوا علي بذرة القطرن المصري ونتفوا ريشها أو زغبها لتضيع الأصول وتختلف الجذور وتتباين الملامح إلا أن الشربيني يزيد بأن الجرح أغور إذ يقارن بين تجارة الخردة والماكينات المكهنة وبين الأدب "المكهن" فهو يعقد ندوة حول عربة فول مدمس.. صدقت يامهندس.. أنها بحق مرثية الاقتصاد والأدب.. تبكينا فنبكي ونتباكي. فأنت لم تمسك بالعصفور بل بهدهد يعز علي الأكف الإمساك به. وقلبت علينا "مقطم الأدب" ودحرجت علينا "سرديات الدويقة" فأخرجت روايتك ليس بذيل مخضب يداري بالحناء المشيب. ولكن بألوان تاج الهداهد.