"أنت من الفلول".. جملة بات يرددها المصريون فيما بينهم إما تهكماً أو عن قصد لدرجة أن الشعب المصري صار منقسما إلي فريقين.. أحدهما مع الثورة.. ثورة 25 يناير.. أما الآخر هو فريق "الفلول" المتهم بانتمائه للنظام السابق رغم أن أغلبه ليست له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذا النظام! هذا التصنيف أعاد بي الذاكرة إلي واقعة عشتها عقب أحداث 18 و19 يناير 1977 والتي أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات "انتفاضة حرامية" رغم أنها كانت انتفاضة شعبية اندس فيها الحرامية مثلما اندس البلطجية في ثورة 25 يناير.. المهم كنت في هذا الوقت ضمن رحلة الأقصروأسوان التي كانت تنظمها كل عام كلية الإعلام التي اتشرف بالانتماء إليها.. وكانت مصر في تلك الفترة تخضع أيضا لحظر التجوال.. وفي ليلة من الليالي نفدت جميع سجائرنا واضطررنا للنزول من بيت الشباب بأسوان الساعة الثانية صباحا بحثاً عن سجائر.. فإذا بدورية شرطة توقفنا لتسألنا عن بطاقاتنا الشخصية التي لم تكن معنا في تلك اللحظة وعن أسباب تواجدنا قرب سوق أسوان القديم في هذا الوقت المتأخر.. فتطوعت عن زملائي لأجيب الضابط عن كل أسئلته.. وحين تأكد من مقصدنا قال لي مازحاً "طيب ليه لابس قميص عبدالناصر"؟! وهي كانت تهمة في هذا الوقت تماما مثل تهمة "الفلول" مع الفارق في العواقب طبعاً.. المهم حين استشعرت أن الضابط يمزح رددت له المزحة بمزحة أخري وقلت له: "وهل تعتقد أن قميص عبدالناصر ييجي علي مقاسي.. أنا يدوب مقاسي قميص الممثل عبدالسلام محمد" كناية عن أنني نحيف مثله رحمه الله.. ضحك الضابط وانصرفنا لنكمل ليلتنا ضحكات بلا دخان! لقد امتلأت سجون مصر عقب انتفاضة 1977 بآلاف المصريين وكانت التهمة جاهزة وهي إما أنك شيوعي أو ناصري لتكتشف مصر فيما بعد أن أغلب من زج بهم داخل السجون لا علاقة لهم بالشيوعية أو الناصرية ولا يعرفون مغزي "قميص عبدالناصر"!