كانت مصر واحدة في ميدان التحرير أثناء الثورة.. وقدمت للعالم نموذجاً متحضراً وراقياً للأخلاق المصرية والثقافة المصرية.. ساعتها قلنا إننا عثرنا علي أنفسنا.. علي ذاتنا التي فقدت وخربت.. وقلنا للعالم انظروا .. هذا هو المصري إذا ما أزيح الغبار عن معدنه الأصيل. وانتشرت رايات مصر مبتهجة بهذا الاكتشاف الذي تحقق.. وعلت الهتافات والشعارات: "ارفع رأسك أنت مصري". المصري إنسان قوي صلب وأيضا مسالم ليّن الجانب.. غير مستكين وأيضا غير عدواني.. يكره الظلم والبغي وينتصر لإرادته وأيضا صبور حمول. وقال المراقبون للثورة: إن مصر تولد من جديد.. وان هناك روحاً من السماء تحل في ربوعها.. جعلت أبناءها أقرب إلي ملائكة تسير علي الأرض.. وصدقوا في قولهم.. فقد مضت أيام الثورة المباركة بلا جرائم جنائية في الشوارع.. ولا فتن طائفية.. ولا اشتباكات ومشاجرات. وحتي عندما حدثت موجة الحرق والسلب والنهب المنظمة بعد نزول الجيش إلي الشوارع تبين أنها كانت بفعل فاعل.. وكانت خارجة عن برنامج الثورة ولم تكن من فعالياتها أو توابعها.. ولذلك تصدي لها المصريون بحسم ووعي حتي قضوا عليها.. ولم يكتب لها النجاح. والآن .. ماذا يحدث في مصر؟! مصر التي كانت واحدة صارت منقسمة إلي "مصريات".. لكل واحدة منها وقفة احتجاجية وإضراب واعتصام.. وبعد أن كان هناك مطلب واحد وهدف واحد لكل من في الثورة صارت هناك مطالب وأهداف لا نهائية لكل واحد فينا.. وبعد أن كان الثوار علي قلب رجل واحد تفرقت القلوب وأخذتها الأهواء ذات اليمين وذات الشمال. يقيني أن الثوار الحقيقيين الذين أشعلوا جذوة التغيير الهائل أبرياء من هذا التحول العجيب الذي نشهده.. لكن الأمر يستحق أن نطرح السؤال الكبير: هل كان ما حدث في مصر منذ 25 يناير إلي 11 فبراير صحوة قصيرة وطارئة ومفتعلة في تاريخنا أم ككان يقظة للشخصية المصرية واستعادة للوعي بالذات بعد سنوات القهر والاستبداد؟! هل كان ثورة حقيقية تستجمع الماضي والحاضر والمستقبل في لحظة نورانية خلاقة أم كان تمثيلية أدي بعضنا دوره فيها ثم عاد الجميع إلي ممارسة حياتهم الطبيعية بكل ما فيها من تناقضات وسلبيات وأطماع وأحقاد؟! والسؤال الأهم : في أي الطريقين ستسير مصر الجديدة؟!.. هل ستسير في طريق الوحدة والتماسك وإنكار الذات والعمل والإنتاج والانفتاح والحب والتآلف أم في طريق الفرقة والانقسام والكراهية والحقد ومحاكم التفتيش والتلاعن وتأليب الطوائف والجماعات بعضها علي بعض؟! يقولون إن مصر تتعرض لثورة مضادة وهذا حق.. ويقولون إن هناك من البلطجية وفلول أمن الدولة والحزب الوطني من يقومون بأعمال عنف للوقيعة وشق الصف. وهذا أيضا حق.. ولكن أين حائط الصد الثوري؟!.. أين أخلاق الثورة وثقافتها في الشارع المصري اليوم؟!.. أين اللجان الشعبية التي تحرس إنجازات الثورة علي المستوي الفكري والثقافي؟! نريد أن نثبت للعالم أن ما نقلوه عنا أثناء الثورة لم يكن مسحوقاً للتجميل. وإنما هو حقيقة هذا الشعب الأصيل.. وأن الثورة لم تكن مجرد هوجة أو زوبعة وانفضت وإنما هي فعل راق ومتحضر.. جدير بأن يغيّر وجه الحياة في مصر عبر سنوات طويلة قادمة.. وقد بدأ التغيير فعلاً علي النطاق السياسي ليوفر مناخ الحرية والديمقراطية الذي يستحقه المصريون. ونريد أن نثبت للعالم أن ما روجه المستبدون عنا بأننا لا نستحق الحرية كذب وافتراء.. نحن فعلاً نستحقها.. وقادرون علي أن نصونها ونحميها.. وقادرون علي أن نضعها في إطار منظم يضع خطوطاً فاصلة بين الحرية والفوضي.. وبين الديمقراطية والديماجوجية والانفلات. نعم.. هناك من يشدنا للوراء.. وهناك من يبذر الفتنة في أرضنا الطيبة.. وهناك من يسعي في البلاد بالشائعات لينشر الفساد والخراب.. لكن علينا جميعا أن نلوذ بوعينا وإيماننا بقدرتنا.. وفهمنا الصحيح لما يجب أن نكون عليه.. وما يجب أن نفعله اليوم وغدا.. هناك حكومة جديدة تعمل بكل جهدها من أجل إعادة البناء وعلينا أن نساعدها.. وهناك دعاة وقادة للرأي يعملون في كل اتجاه من أجل تهدئة الخواطر واستعادة الثقة وعلينا أن نساعدهم ونلتحم معهم.. وهناك عقول تفكر من أجل أن تترجم انجازات الثورة إلي واقع ملموس يعود بالنفع والخير علي جموع المصريين.. وعلينا أن نشجع هذه العقول ونصطف إلي جوارها. لقد انتهي زمن التخاذل والسلبية والخوف والكسل.. وانتهي زمن التضليل والتشنيع والكذب.. وبدأنا زمناً جديداً بثقافة جديدة وأخلاق جديدة.. نابعة من الضمير والوعي والإيمان بالوطنية المصرية. في هذا الزمن الجديد سوف نبني نظاماً سياسياً ديمقراطياً.. يقوم علي الحرية والعدل.. وسوف نبني نظاماً اقتصادياً يقوم علي المشاركة والعمل والجدية .. وسوف نبني نظاماً اجتماعياً يقوم علي المساواة والتكافل.. وسوف نبني أيضا نظاماً أخلاقياً راقياً يقوم علي المودة والرحمة. وسوف ننظم صفوفنا المبعثرة.. ونحافظ علي الأمن والاستقرار حتي تسجل ثورة 25 يناير في التاريخ علي أنها ثورة بناء وعمل وليست ثورة هدم وانهيار. ويا أذناب الماضي المظلم.. يا أيها المتمسكون بأخلاق العبيد.. استيقظوا من سباتكم.. فلقد أشرقت شمس الحرية.. وأشرقت شمس الحقيقة.. لتكشف الزيف.. وترد الكذب علي أهله.. فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. * إشارات: * الباحثون عن منصب الآن للوجاهة سيأخذون أكبر مقلب في حياتهم.. فالدنيا تغيرت.. والمناصب تحولت إلي لعبة الكراسي الموسيقية. * الحرية التي وفرتها الثورة أطلقت الألسنة من قيودها.. خاصة ألسنة الدعاة علي المنابر.. ولم يعد هناك خوف من الإخوان أو السلفيين أو غيرهم. ورأينا الناس تلتف حول الشيخ محمد حسان وتطرد المخرج خالد يوسف.. ورأينا رامي لكح يتناقش بكل احترام مع صاحب لحية طويلة كان يستخدم من قبل فزاعة لإخواننا المسيحيين. حقاً .. ما أجمل الحرية. * جمعة الوحدة الوطنية .. صورة مشرفة لمصر المستقبل. * نجوم مصر خلال السنوات القادمة لن يكونوا الفنانين ولاعبي الكرة وإنما العلماء والباحثون والمنتجون ورجال الأعمال الوطنيون والطلاب المتفوقون والأطباء والمهندسون النوابغ.. والصحفيون الشرفاء. * عيب وأكبر عيب إهانة رمز مصري كبير ومحترم في حجم د. مجدي يعقوب لمجرد تصفية حسابات شخصية. * لن تهدأ مصر إلا بعد استعادة حق الشعب من كل من أثري بغير حق .. ومن طريق غير مشروع .. هكذا تكون العدالة. * آخر إبداعات القذافي: "سيطرة القاعدة علي ليبيا تهدد أمن إسرائيل". إلي هذا الحد يمكن أن تصل "الوضاعة" بصاحبها!!