أعجبني جداً تعبير "زعامة الفوضي".. وهو أكثر التعبيرات انطباقاً علي الحالة المتردية التي نحياها الآن. ولأنني لم أتعود "لطش" إنتاج أو أفكار الغير.. اعترف بأن هذا التعبير الجميل أطلقه الزميل جابر القرموطي في برنامجه "مانشيت" أثناء استعراضه للمقال المتميز للأستاذ وحيد حامد المنشور في "المصري اليوم" بعنوان "الثورة تحتاج إلي ثورة". لذا.. فإنني استأذن الزميل جابر.. في اقتباس هذا التعبير ليكون العنوان الرئيسي لمقالي اليوم. لا أحد يختلف علي أن ثورة 25 يناير أبطالها الحقيقيون هم الشباب الواعد الذي خرج في هذا اليوم للمطالبة بحقوقه في الحريات والممارسة السياسية والعيش الكريم. ولا أحد ينكر أن هذه الثورة تطورت أهدافها يوماً بعد آخر وفقاً للتداعيات علي الأرض وأصبحت ثورة شعب بأكمله هدفه إسقاط النظام. وبالفعل تحقق هذا الهدف وسقط النظام.. وكان المفترض أن تعود الحياة إلي طبيعتها ونلتفت إلي أحوالنا المتردية. لكن للأسف الشديد قفز علي أكتاف الثورة كل من هب ودب ومن كل صوب وحدب يتشدق بالثورة ويرتكب باسمها كل الموبقات. أنا لا أتحدث هنا عن أصحاب الحقوق المعروفة في التعيين أو الترقية أو تسوية المرتب وما إلي ذلك وإن كان الوقت ليس وقته لهذه الطلبات.. ولكني أقصد المتجاوزين لكافة الخطوط والمخترقين لكل الأسقف بعيداً عن قانون وعرف وحتي دين. رأينا ونري.. أعمال بلطجة ونهب وسرقة بالإكراه وأحياناً قتل. رأينا ونري.. تجاوزات ما أنزل الله بها من سلطان في المصالح والدواوين والشركات وكل أماكن العمل.. وأيضاً في الشوارع. رأينا ونري.. محاكم تفتيش في كل مكان.. وتصنيفات غريبة وشاذة يطلقها من لا يملك هذا الحق إما لأنه غير ذي صفة أو لقصور في نفسه يريد أن يداريه.. فهذا مع الثورة وذاك ضدها.. هذا من أبناء التحرير وذاك تابع للنظام البائد ولا يجب أن يظل في مكانه. رأينا ونري.. حرب استبداد وتصفية حسابات بلا منطق أو عقل ضد من يتهمونهم بأنهم أنصار النظام البائد المستبد! رأينا ونري.. فوضي بكل ما تحمل الكلمة من معني وهؤلاء الفوضويون زعماؤها. من أجل مصالحهم الخاصة وبنظرتهم الضيقة.. تغافلوا سهواً أو عمداً عن أن السياحة عندنا "ضربت" ولن تعود إلا بالاستقرار. وأن اقتصادنا أصبح في "الحضيض" ويحتاج إلي معجزة كي ننهض به ثانية. وأن المخزون الاستراتيجي للسلع الأساسية يمكن أن ينفد ويجوع الشعب. وأن معظم وسائل الإنتاج معطلة ولابد من تشغيلها بأسرع وقت. وأن حصتنا من مياه النيل مهددة ويمكن أن تتحول القضية إلي كارثة ثم إلي حرب. وأن سيناء مهددة فعلاً. وأن الجيش مهمته الأساسية أن يحمي الوطن والمواطن وليس أن يحكم ويجب أن نسرع الخطي لترتيب البيت حتي تتولي الحكم سلطة مدنية وتعود قواتنا المسلحة إلي ثكناتها وتتفرغ لمهمتها الحقيقية.. أخيرآً أن ينزع المواطن الخوف والرعب من بين ضلوعه ويأمن علي حياته وحياة أسرته بدلاً من هذا الهلع المسيطر عليه حيث يترقب الخطر بل والموت وراء كل باب. للأسف.. ان "زعماء الفوضي" نسوا كل شيء ومن هم وارتدوا جميعاً فجأة ثياب البطولة الزائفة وتاجروا بالثورة ودم الشهداء من أجل أغراضهم وأمراضهم. أقول لمحاكم التفتيش - علي سبيل المثال لا الحصر - إن تصنيف الناس علي أساس الخدمة خلال النظام السابق ينسحب علي معظم المجتمع بكل أطيافه وطبقاته.. بما فيهم "زعماء الفوضي" أنفسهم. أنت وهو وهي.. حصلتم علي شهاداتكم أو تم تعيينكم وتقلدتم المناصب.. خلال حكم مبارك. وأنت وهو وهي.. امتلكتم منازل وشققاً وسيارات.. خلال حكم مبارك. وأنت وهو وهي.. اقمتم مصانع وورشاً ومحلات وغيرها.. خلال حكم مبارك. ولكي نتكلم من أرضية سليمة وبمنطق ولأنكم عشتم في عصر فاسد فيجب علي كل منكم أن يتبرأ من هذا العصر بشكل عملي.. أن يمزق شهادته ويقدم استقالته ويترك منزله أو شقته وسيارته ومصنعه وورشته ومحله وليبدأ من أول السطر.. "جديد* جديد". إذا ارتضيتم هذا ستكونون من أبطال الثورة.. أما إذا رفضتهم - وطبعاً سترفضون - فاصمتوا.. وهذا أكرم لكم. البطولة أو الوطنية ليست بالكلام أو بالتشنج أو بالشعارات ولكن بالفعل. يا كل زعيم فوضي.. لا تتاجر بالثورة.. ولا تزايد علي أحد.. الناس "أتخنقت" منكم وأوشكت علي الانفجار. النظام وسقط.. ولن نسمح لك أو لغيرك بإسقاط الدولة نفسها. الدولة لن تكون ضحية للمرضي النفسيين والعقليين. لن تكون ضحية للبلطجية أو قطاع الطرق وأرباب السجون. لن تكون ضحية لمدعي البطولة الزائفة أو للمغرضين والقافزين علي الأكتاف. لن تكون ضحية لكل مطرود من منزله أو لكل متشاجرة مع زوجها. لن تكون ضحية لزعماء الفوضي أينما يكونون. أبداً.. لن تكون.