نير بن أرتسي.. حاخام يهودي. يعتز بقدرته علي قراءة المستقبل. وهو ما تحقق بالفعل في الأحداث التي يري انه أسبق إلي تسجيلها. العديد مما شاهدته مصر من أحداث خطيرة يؤكد الحاخام نير أنه تنبأ به. من تلك النبوءات ما حدث - مؤخراً - من معارك طائفية. أفلح وعي المواطنين في احتوائها. بالإضافة إلي النبوءات التي لم تحدث بعد. وإن شغله الترويج لها في الإعلام الإسرائيلي. ومنها نشوء حرب أهلية. وحدوث فيضان يكتسح المدن والقري. وانتهي الحاخام إلي أن كل يوم في مستقبل مصر سيكون أسوأ من الأيام التي قبله. وأن تخريب مصر قدر إلهي يستحق الإشادة. صف الكلام بما شذت: عبث. هراء. تخريف. لكن الحديث عن الأيام القادمة. السيئة. واعتبار تخريب مصر قدراً إلهياً. يستدعي مراجعة. ومساءلة. من القيادات المصرية المسئولة. فالحاخام شخصية شهيرة - للأسف - وله تأثيره في الرأي العام الإسرائيلي. والحق أن اهتمام قادة الصهيونية بمصر لم يكن لمجرد أنها "منطلق إلي أرض الميعاد". وإنما لأنها جزء من أرض الميعاد. وبالتحديد. فإن شعار من النيل إلي الفرات أرضك يا إسرائيل يشمل مصر والشام والعراق وجزءاً من الأراضي الحجازية. وبالتالي فإن التنبه للنيات الصهيونية لم يكن لمجرد أنها تهدد استقلال "قطر عربي شقيق". وإنما لأنها تهدد استقلالنا الوطني نفسه. يقول هرتزل: "سنكون في هذه المنطقة جزءاً من الحاجز الذي يحمي أوروبا في آسيا. خندقاً أمامياً للحضارة في وجه الهمجية - نحن! - ينبغي علينا. كدولة محايدة. ان نبقي علي اتصال مع كل أوروبا. وعلي أوروبا بالتالي ضمان وجودنا. يضيف ماكس فورادو: "علينا أن نفعل في الشرق الأدني ما فعله الإنجليز في الهند. القيام بنشاط ثقافي وليس السيطرة. نذهب إلي فلسطين كحملة لصالح التحضر والتمدن. نستهدف توسيع الحدود الخلاقة لأوروبا حتي الفرات". قد يرفض العقل ذلك المنطق الذي يستند إلي أوهام ميثيولوجية. وربما ارتكز في رفضه إلي الكثرة العددية لسكان مصر بالقياس إلي عدد اليهود في العالم كله "حوالي 5.14 مليون". لكن الوقائع التي مر بها الاستيطان الصهيوني في فلسطين تؤكد أن الأحلام الفولكلورية كانت هي الدعامات التي استندت إليها الصهيونية في تنيفذ مخططاتها. ولعل المثل الأقرب أنه بعد احتلال إسرائيل لسيناء في عدوان 1956. قال بن جوريون: هذه أرض إسرائيل. وأطلق علي شرم الشيخ اسما عبرياً هو "مفراش شلومو"! نحن نكتب - ونتحدث - عن اللاجئين الفسلطينيين باعتبارهم خطراً بعيداً. حكايات لا تنتسب إلي حياتنا. نسينا - أو تناسينا - مئات الألوف من اللاجئين المصريين الذين أجبروا - بفعل القصف الإسرائيلي - علي ترك المدن المطلة علي الضفة الشرقية للقناة. والرحيل إلي مدن الداخل. الخطر قريب. بل هو أقرب مما يظنه الكثيرون. ويحرضنا علي إهمال التكاسل واللامبالاة والأناملية. وعلي الإيمان بقومية القضية الفلسطينية. وان الأطماع الصهيونية تجاوز الأرض التي احتلتها في فلسطين سعياً لتحقيق الحلم الذي يؤكده علم الدولة اليهودية: من النيل إلي الفرات.