كنت أقرأ "الأهرام" من كاريكاتير صلاح جاهين. أتأمل المعاني المضمرة في خطوط بسيطة. ترفض الزحمة والحشو والافتعال. كان صلاح جاهين هو الأعلي موهبة في كل المجالات التي أبدع فيها. حتي السذاجة التي كانت تشوب أداءه التمثيلي. تفوقت عليها عفويته اللافتة. روي أن عبدالناصر كان يتصل بهيكل في وقت اختفاء سلعة ما من السوق. يطلب هيكل من جاهين أن يرسم ما يعني متابعة عبدالناصر للأحوال. يرسم جاهين كاريكاتيراً مصحوباً بكلمات تزيل حواجز الغربة بين القارئ والمشكلة التي يعانيها. هذه مشكلتي. أجاد الفنان تصويرها. المادة التالية التي كنت أنتقل إليها. قبل أن أبدأ قراءة الأهرام من أوله. عمود أحمد بهاء الدين يضعني- بتحليله الموضوعي الذكي. وبالسهولة الممتنعة للغة- في قلب الأحداث اليومية. أشعر أن ما يناقشه هو همي الشخصي. حتي لو لم يتصل بقضية داخلية. يختلف مع هيكل في قدرته البالغة علي التحليل الذي يكتفي باليسير من المعلومات. تكفيه الإيماءات السريعة. والومضات الخاطفة. ليلتقط الجزئيات التي تصنع اكتمال المشهد. أما هيكل فقد كان في حاجة دوماً إلي جيب صانع القرار. يأخذ منه المعلومة- أو المعلومات- فيصوغها بلغة تحرص علي المفردة والعبارة. وإن مالت إلي الإنشائية أحياناً. حدثت في الصحف تغييرات وتبديلات. تبدلت بالتالي عادتي. فأنا أبدأ بقراءة محمد العزبي في الجمهورية. أقلب الصفحات حتي يطالعني الاسم. فأقرأ. ثم انتقل إلي بقية الصفحات. حين بدأ نشر مقال العزبي في الصفحة الأخيرة. لم أعد إلي البحث والتقليب. أعرف موضعه علي يسار الصفحة. يمتلك قدرة مذهلة علي المتابعة والفهم والاستبصار والتحليل الذي يلم بأطراف القضية التي يتناولها. السياسة في كبسولة كما يقال. لكنها برشامة حلوة المذاق. وجيدة التأثير في الوقت نفسه. تبينت أن الكثيرين كانوا يبدءون قراءة الجمهورية بمقال العزبي. هو الباب السحري الذي يتعرفون من خلاله إلي تطورات الأحداث. مدرسة متفردة تجيد القراءة. وتضع القارئ- بما تكتبه- في موضع المشاركة. يعبر عن الجماعة المصرية بتعدد أطيافها وتياراتها. محمد العزبي- لظروف يحتفظ بها- غاب عن الموضع الذي كان قراء الجمهورية يبدءون منه قراءة الجريدة. قد يكون السبب مقبولاً من العزبي. لكنه ليس مقبولاً من القراء الذين وجدوا فيه تعبيراً عن حب مشترك لهذا الوطن. أستاذي العزيز محمد العزبي. إني افتقدك