سقطت أول وزارة في ظل أول برلمان منتخب بعد عشرة أشهر فقط من تشكيلها.. رغم أن رئيس الوزراء "سعد زغلول" أكثر الزعماء شعبية في تاريخ مصر. والحكاية أن الملك فؤاد اضطر إلي تكليف سعد زغلول بتشكيل الوزارة بعد فوز الوفد باكتساح في أول انتخابات برلمانية.. ومع هذا التكليف بدأت الأزمات بين الملك الذي تمسك بحقه المطلق في تعيين خمسي أعضاء مجلس الشيوخ بينما رأي سعد أن هذا التعيين من أعمال الدولة يتولاه الملك بواسطة مجلس الوزراء. وكانت الأزمة الأخري تتعلق باعتراض الملك فؤاد علي القائمة الأولي التي أعدها سعد زغلول بتشكيل الوزارة فقد اعترض علي تعيينه علي الشمسي بك لأنه من المؤيدين للخديو عباس حلمي وعلي تعيين مرقص حنا بك وزيراً للعدل لأنه لا يطيق تعيين قبطي في مثل هذا المنصب في بلد إسلامي. واعترض كذلك علي تعيين وزيرين قبطيين في الوزارة لأن التقاليد جرت بالاكتفاء بوزير قبطي واحد وقد يتأثر الشعب للخروج علي هذا التقليد ويقول الدكتور عبدالعظيم رمضان في كتابه تطور الحركة الوطنية أن سعد باشا رد علي هذا الاعتراض بقوله إنه لا يفرق بين مسلم وقبطي وأنه هو المسئول عن شعور الشعب وأصر علي اختيار الوزيرين. ويقول عبدالرحمن الرافعي إنه منذ أن تلقي سعد باشا خطاب التكليف شعر بأن هناك محاولة من جانب القصر لإنكار الأساس الدستوري لقيام الوزارات وسقوطها إذ تضمن عبارات عامة عن صدق وولاء سعد للملك.. وغير ذلك من ألفاظ وعبارات المجاملة. وقال سعد في خطابه للملك فؤاد إن الانتخابات لأعضاء مجلس النواب أظهرت بكل صلابة إجماع الأمة علي تمسكها بمبادئ الوفد وأن تأليف الوزارة نبع من إرادة الأمة. وساءت العلاقات من سيئ إلي أسوأ بين الملك وسعد باشا قدم خلالها سعد استقالته مرتين.. المرة الأولي في شهر يونيه سنة 1924 بعد 6 أشهر من توليه الوزارة.. وكانت تلك الاستقالة مفاجأة لم يكن الملك مستعداً لها.. وطلب أن يعيد التفكير فيها ثم حدثت مظاهرات خرج فيها الشعب يهتف سعد أو الثورة وعدل سعد باشا عن تلك الاستقالة في الوقت نفسه عاد الملك لاستئناف مشاركته النشطة المسيطرة في الشئون العامة كما ذكر تقرير لدار المندوب السامي البريطاني في القاهرة.. ووصلت العلاقة بين الملك وسعد إلي ذروة التوتر عندما بدأ رجاله في إحداث أزمة وزارية في منتصف نوفمبر حيث استقال بعض الوزراء ورفض الملك اعتماد مرسوم لبعض التعيينات التي أجراها سعد وإزاء ذلك بادر بتقديم استقالته ومرة أخري خرجت الجماهير تطالبه بالعدول عن الاستقالة واضطر القصر لتقديم بعض التنازلات إلا أن الملك قرر انتهاز أول فرصة للإطاحة برئيس الوزراء.. وكانت هذه الفرصة هي مقتل السردار "مفتش الجيش" بالسودان فتم التخلص من الوزارة الزغلولية بعد أن أمضت في الحكم عشرة أشهر فقط.. تلبية لمطلب الحكومة البريطانية. كانت هذه قصة الوزارة الشعبية.. التي أتي بها الشعب وتآمر عليها الملك.. ولكن هناك وزارات أخري يأتي بها الحكام ويرفضها الشعب ولها حكايات أخري.