وضح للجميع أن المظاهرات والتجمعات السلمية التي عمت كل أرجاء مصر بالأمس احتجاجاً علي الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الدكتور محمد مرسي لم تكن كما توقع البعض وراهن عليه البعض الآخر مقصورة علي عدة مئات أو عدة آلاف. بل كانت حاشدة بمعني الكلمة. وإذا كانت هذه الأعداد الهائلة هم الذين سمحت لهم صحتهم وظروفهم بالخروج إلي الميادين في كل أنحاء مصر فإن هناك الملايين من أبناء الوطن الذين لم تسمح لهم الظروف بالخروج لهم نفس المشاعر ونفس الأفكار ونفس الموقف من رفض الإعلان الدستوري. هذه الجموع التي خرجت ليس وراءها تنظيم له زعماؤه وله كوادره الذين يستطيعون تحريكها بأوامر من خلال قنوات اتصال تنقل هذه الأوامر والتعليمات من القيادات إلي القواعد.. بل هي خرجت تلقائياً للتعبير عن موقفها بطريقة سلمية حضارية.. وهذا ما يجب أن تكون عليه التجمعات والمسيرات والمظاهرات في أي وقت ولأي سبب. لو أخذنا في الاعتبار هذه الجموع الحاشدة وكل من يشاركونهم الرأي والموقف الذين تابعوا من البيوت فإننا نستطيع أن نقول إن هناك رأياً عاماً غالباً معترضاً علي الإعلان الدستوري.. وإذا كان الحاكم يشعر بشعور مواطنيه ويتلمس نبضهم.. وهذا ما نثق أن الرئيس محمد مرسي يتمتع به.. فإن الحكمة تقتضي منه إعادة النظر في مجمل الموقف.. ودعوة جميع القوي السياسية إلي كلمة سواء للخروج من هذا المأزق.. فالوطن وطن الجميع.. وهو فوق الأفراد والجماعات والأحزاب. لم يكن من المتوقع أو بالأصح من الملائم أن تخرج تصريحات من مؤسسة الرئاسة تؤكد أنه لن يتم تعديل الإعلان الدستوري!! حتي مجرد التعديل لا تفكير فيه.. فما بالك بالإلغاء والحكمة تقتضي في مثل هذه المواقف السكوت حتي ينجلي الموقف.. لأن مثل هذا التصريح يزيد الوضع اشتعالاً. هناك صحيفتان مواليتان لجماعة الإخوان وصفتا جموع المتظاهرين بالفلول وبأنهم عملاء للنظام السابق.. وهذا يعني أن غالبية شعب مصر لا مكان لهم في وطنهم وعليهم أن يجدوا لأنفسهم وطناً بديلاً يعيشون فيه. ويتركوا مصر لمن ليسوا فلولاً ولا عملاء للنظام السابق. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل جماعة الإخوان تعتبر نفسها هي الثورة.. وهي القائمة عليها والحارسة لها.. وما عداها لا صلة لهم بها وليسوا في الاعتبار؟! وسؤال آخر: ماذا لو ظل الموقف علي ما هو عليه.. التمسك بالإعلان الدستوري من جهة.. والرفض من الفئات والمواطنين المعترضين عليه؟! هل يستطيع أحد أن يتنبأ بما يمكن أن يحدث؟! ومن الذي يتحمل المسئولية عندئذ؟! ما زلنا نأمل ونثق في حكمة الرئيس مرسي. وأنه يستطيع تجاوز هذا المأزق بما يضمن للوطن سلامته واستقراره.. فمصر في أمس الحاجة للتوافق بين الجميع للخروج من أزماتها الطاحنة والربان هو الذي يستطيع قيادة السفينة إلي شاطئ الأمان.