تابعت باهتمام علي مدي الأسبوعين الماضيين حادثين من الحوادث التي جرت لأطفال في عمر الزهور. وترسخت في الذهن الآثار المترتبة عليهما خاصة أنهما وقعا في دارين من إحدي دور التربية.. الأولي في مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم. والثانية في دار حضانة أهلية. ورغم الفارق بينهما إلا أن العقيدة السائدة لدي أولياء الأمور أن كلتيهما إحدي دور التربية. ولذلك نجد أن الكثيرين من الآباء والأمهات يحرصون علي اصطحاب الأبناء من الجنسين إلي هذه الدور علي أمل مشاركتهما في تربية فلذات الأكباد بمعاملة حسنة وأسلوب طيب يساهم في صقل مواهب هذه البراعم الصغيرة. واستخدام أفضل الطرق لتنمية مداركهم بعيداً عن العنف أو وسائل الترهيب. ورغم بعد المسافة بين الواقعتين إلا أن بينهما خيطاً رفيعاً جمع بينهما يتسم بالعنف تحت زعم التربية. وتمثل في قص خصلتين من شعر تلميذتين وقص شعر طفل عمره 3 سنوات ونصف السنة. ورغم حسن القصد كما بدا من ظاهر الأقوال إلا أن ذلك ليس مبرراً علي الإطلاق. ومع أن هناك جهات يتعين عليها أن تنهض بمهامها في إطار واجبها نحو أجيال المستقبل. لكنني أطرح هذه القضية للمناقشة بعيداً عن أي أغراض. أو استثمار لأي جانب أو غرض من الأغراض. وفي إطار الاستفادة من الدروس التي جاءت عبر هذين الحادثين. وليس كذلك بغرض إثارة المشاعر ضد هاتين المربيتين. ما أركز عليه فقط. ضرورة وضع هذه الدروس نصب أعيننا ونحن بصدد هذه القضية بالغة الأهمية في حياتنا.. أول هذه الدروس: أن العنف جاء نتيجة عكسية لأن الأثر النفسي المترتب علي هذين التصرفين. أحبط همة هذه البراعم في الإقبال علي المدرسة. رغم النوايا في الإصلاح. ثانياً أن هذه الأساليب وغيرها لن تساهم في التربية. بل ستنمي العنف في نفس هؤلاء النشء. وهناك الكثير من المفاهيم التي سوف تترتب علي أمثال هذين الحادثين. دور المدرسة والحضانة في تنمية وعي النشء وجذب انتباهه بأيسر وسائل التربية الحديثة لأنها أكثر فعالية وإثارة لمشاعر الصغار. خاصة أن أي تصرف في هذه السن يترسخ في ذهن الطفل. ويظل في ذهنه إلي أن يكبر. ولا يجب أن ننسي قول العربي القديم: وينشأ ناشئ الفتيان منا .. علي ما كان قد عوده أبوه حقيقة إن قدوة المعلم أو المعلمة في التعامل بكياسة وحسن تصرف ولباقة ومراعاة ذكاء هؤلاء الأطفال يجب أن يكون في مقدمة الاهتمام. فالبراعم تتابع المعلم والمدرسة بعناية بالغة وفي أحيان كثيرة يجري تقليد دور هذا المعلم أو المعلمة مع انتقاد لهذه التصرفات وربما يكون مثيراً وحاداً في بعض الأحوال. ومن لديه أطفال يعرف ذلك تماماً. كل ذلك يجب أن يكون راسخاً لدي من يتصدي لتربية هؤلاء الأطفال إن مسئولية التربية في هذه المرحلة المبكرة من العمر مضاعفة أضعافاً كثيرة. هذه القدوة في التعامل وحسن التصرف مع التركيز علي غرس القيم في النفوس ثماره كثيرة. وليتنا جميعاً ندرك أن العنف واستخدام وسائل الزجر مثل قص الشعر وغيره. الضرر العائد منها أكثر من نفعها بمراحل كثيرة. ومتعددة.. فالدين الحنيف يحرص علي تعليم الأطفال الصلاة منذ حداثة سنهم. حتي سبع سنوات بالتدرج. مع حسن الملاطفة. ومصاحبتهم للمساجد. وتقديم الهدايا لحفز البراعم علي أداء الصلاة. مع أن الضرب لعشر سنين. كما هو معروف لدي الفقهاء يكُن برفق للتأديب مع الاعتماد علي القول بالمعروف. والصبر. ويكفي الاسترشاد بما جاء في صورة طه: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" "طه: 132". إن غرس القيم بحسن الخُلق ينمي المدارك ويجعل الطفل يقبل علي المدرس وينجذب إليه. فلقد تعلم الأبناء الكثير من الصفات الطيبة من المعلمين والمعلمات تتفوق علي ما اكتسبوه من الآباء والأمهات. ومن يتأمل تاريخ وسيرة سيدنا محمد "صلي الله عليه وسلم" وأصحابه كذلك. وسائل التقويم التي ساهمت في تربية أجيال كانوا نماذج طيبة. فها هو زيد بن حارثة قد تربي في أحضان النبي "صلي الله عليه وسلم". لقي كل معاملة طيبة. وكان حسن خلق النبي "صلي الله عليه وسلم" في تعامله معه سبباً في أنه رفض دعوة والده للانضمام إليه. وفضل البقاء مع رسول الله "صلي الله عليه وسلم".. إن حسن التعامل والفطنة في جذب الاهتمام لهما أكبر الأثر في النفوس. ولدينا عشرات الأمثلة في هذا المجال. وليتنا ندرك أن الملوك والرؤساء وغيرهم من الحريصين علي تربية الأبناء كانوا يتخيرون أفضل المعلمين لأبنائهم لدرجة أنهم كانوا ينحازون إلي المعلم ضد رغبة الأبناء حتي عند ضرب المعلم للأبناء بهدف التقويم. في نفس الوقت إن أصول التربية الحديثة تعتمد علي هذه الأساليب ويبذل أساتذة التربية في مختلف الكليات أقصي جهد من أجل إرساء هذه المعالم في نفوس خريجي كليات التربية لضمان توصيل أفضل المفاهيم بأيسر الوسائل وأسهلها لهذه البراعم الصغيرة مع شجب أي نزوع نحو العنف أو الشدة بأي شكل من الأشكال. ومازلت أتذكر عبارة أحد هؤلاء الأساتذة الكبار في مجال التربية. حين قال: لابد أن ينزل المدرس إلي مستوي مدارك تلاميذه حرصاً علي حسن التربية. مؤكداً أن ذلك لن يقلل من قيمة المدرس لدي تلاميذه. وإنما يرفع من قدره لديهم. مشيراً إلي أن طفلاً ترك صحبة والديه وجري خلف مدرسه يحييه ويسلم عليه تقديراً لحنانه وحسن معاملته. أعتقد أن دور المعلم والمعلمة في منتهي الأهمية. خاصة في المراحل الأولي وفي الدول المتقدمة يتم اختيار أكفأ العناصر من المدرسين والمدرسات وعلي أعلي درجة من التعليم لكي ينهضوا بتربية النشء بأفضل وأحدث طرق التربية إدراكاً من هذه الدول أن هذه البراعم الصغيرة سوف تكون أجيال المستقبل. وحسن رعايتهم وتربيتهم بهذا الأسلوب يترتب عليه نتائج مبهرة في مقدمتها انطلاق ملكة الإبداع لدي هؤلاء الأطفال منذ الصغر. ويترسخ لديهم الإصرار علي العطاء والمثابرة علي تقدم الصفوف ولذلك أصبح لدي هذه الدول العلماء في كل المجالات. والأكثر أهمية أن هذه الدول تفتح ذراعيها لأبناء الدول النامية وتفسح لهم المجال في التعليم وتتيح لهم فرصاً هائلة في العمل والترقي لأعلي الدرجات. ولا يجب أن يغيب عن خاطرنا أن مهمتنا جميعاً يجب أن تتركز في حسن رعاية هؤلاء الأطفال وكذلك الشباب. خاصة في زمن توارت فيه القيم. وتدهورت الأخلاق. فالمدرس أصبح يُضْرَب داخل المدرسة. وكذلك المعلمة تتعرض لكثير من الإهانات!! أكرر.. إن التركيز علي حادثي الأقصر والإسكندرية ليس وراءه أي غرض. وإنما أعرضهما علي سبيل الاستدلال. مشيراً إلي قول الله تعالي: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت". ودائماً يحدوني حسن القصد. مع التقدير لكل من يتولي تربية الأجيال. ورغم هذا العمر المتقدم فمازلت أتذكر هؤلاء الأساتذة الذين تركوا أبلغ الأثر في النفس. وكان لهم الفضل في الالتزام بالسلوك الحسن والمظهر الحسن أيضاً. إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.