أثارت فتوي دار الإفتاء المصرية حول تحريم ضرب التلاميذ بالمدارس, واعتبارها فعلا آثما, جدلا واسعا بين العلماء. فبينما أيد الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق الفتوي واعتبرها صحيحة وشرعية, أكد الدكتور عبد الوارث عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, أن هذه الفتوي ليست حكما شرعيا يحتاج إلي دار الإفتاء, وإنما هي من اختصاص وزارة التربية والتعليم. وكانت دار الإفتاء قد أصدرت فتواها بعد لجوء أولياء أمور التلاميذ إليها مطالبين الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية بتحريم ضرب التلاميذ, وجاء نص الفتوي: الضرب المبرح للتلاميذ بالمدارس من قبل المعلمين, والذي يؤدي إلي ضرر جسدي أو نفسي للطالب محرم بلا خلاف وفاعله آثم شرعا. ويؤكد الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر أن الفتوي صحيحة وشرعية لأن دار الإفتاء هي المنوطة ببيان الحكم الشرعي فيما يتعلق بشئون البلاد والعباد, مشيرا إلي أنه أول المؤيدين لها. وأوضح واصل أن المسئول الأول عن تربية الأطفال هي الأم فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق, وذلك من ناحية التربية الإسلامية من صلاة وتعليم, والضرب هنا ليس المقصود به التخويف, ولكن حتي لا تخرج الأمور عن حدها, فلا يجب أن يتعدي الضرب ويصل إلي حالة الضرر, كما نسمع الآن. وأوضح أن المجتمع غير مهيأ الآن لضرب الأطفال بسبب ما نجده من الدروس الخصوصية, والتلميذ يتعامل مع الأستاذ علي أساس الجانب المادي, مطالبا بعودة المدرس الأب, حتي نصل إلي مجتمع سوي لأنها قضية روحية وقديما قالوا من علمني حرفا صرت له عبدا وهي حكمة مأثورة عن العلاقة بين التلميذ وأستاذه, والنبي صلي الله عليه وسلم قال: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا. بينما يقول الدكتور عبد الوارث عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, أن الفتوي في الأساس ترتبط بوعي المعلم والمربي وليست حكما فقهيا شرعيا يحتاج إلي دار الإفتاء للبت فيه, لأن نهج الإسلام في هذا الموضوع واضح لا يحتاج إلي تفسير, وكان الأحري في هذا الشأن أن يكون هناك متخصص من قبل وزارة التربية والتعليم في عمل دورات تدريبية للمعلمين لتوجيههم إلي السلوك الأنفع والأصلح والملائم في معاملة الأطفال أثناء تعليمهم. ويضيف د. عثمان موضحا موقف الإسلام من ضرب التلاميذ, قائلا أن الإسلام اهتم بتربية النشء المسلم تربية سليمة وقويمة لما لهذا النشء من فضل لا يخفي في بناء المجتمعات الفاضلة التي تقوم علي أساس متين, وقد بين النبي صلي الله عليه وسلم الهدف الأسمي من رسالته والجانب الأعظم من بعثته فقال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق, وبما أن الأخلاق تكتسب منذ الصغر, ويشب الطفل عليها حتي يصل إلي المشيب, فقد كان الإسلام سباقا إلي بيان كيفية معاملة الأطفال وهم في سن التعليم والتحصيل وقبيل الإدراك وبعد الإدراك, فقال النبي صلي الله عليه وسلم, لاعبه سبعا, وعلمه سبعا, وصاحبه سبعا, ثم اترك له الحبل علي غاربه وهذه الكلمات لو وعاها كل مرب ومدرس لعلم أن الضرب لايخرج فذا ولا عبقريا ولا ذا أخلاق حسنة, ولا يسهم في بناء رجل يعتمد عليه في بناء الأمم والشعوب, وإنما يخرج أشخاصا أصابهم الهلع والرعب والفزع, فلا يقدرون علي اتخاذ موقف في الأوقات الحرجة, ولا يستطيعون مواجهة الأخطار إذا ما داهمتهم, ولنا في رسول الله أسوة حسنة, فقد كان صلي الله عليه وسلم يداعب الحسن والحسين, حتي أنهما كانا كما ورد عند أصحاب السير يجلسان علي كتفه وهو يصلي, ويجلسان فوق رأسه حال سجوده, فكان النبي صلي الله عليه وسلم لا يرفع رأسه من السجود حتي ينزلا من علي ظهره خوفا عليهما من الإيذاء والضرر, بل أن النبي صلي الله عليه وسلم ذهب إلي ما هو أبعد من ذلك, فقد رآهما النبي وهو يخطب ويقف علي منبره, فنزل وداعبهما, ثم صعد فأكمل خطبته, بل ولا عجب أن يشتري النبي صلي الله عليه وسلم لهما جروا( كلبا صغيرا) يلعبان به ويعطفان عليه. ويستطرد الدكتور عبد الوارث فيقول: عندما دخل علي النبي رجل من الأعراب فوجد النبي وهو يقبل حفيديه الحسن والحسين ويحنو عليهما, تعجب وقال للنبي يا رسول الله أتقبلهما, إن لي من الأبناء عشرة لم أقبل منهم أحدا فأخبره صلي الله عليه وسلم, بأن الله يبغض الرجل الذي لا يعطف علي أولاده ويحنو عليهم, وبالرغم من ذلك لم يمنع من أن يوجه إلي الطفل اللوم وأحيانا الضرب غير المبرح كما جاء في الحديث مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ويقصد صلي الله عليه وسلم الضرب غير المبرح الذي لايمس وجها, ولا بطنا, ولا يمثل إهانة للطفل. ويضيف: إن نظرة المعلم إلي التلميذ عند ارتكاب الخطأ يجب أن تكون نظرة الطبيب إلي المريض لا نظرة الضابط إلي المجرم, فها هو الإمام مسلم يضرب لنا مثلا عظيما بحديث يرويه أن رجلا دخل علي النبي صلي الله عليه وسلم والنبي في مسجده بين أصحابه فبال الأعرابي في المسجد فتناولته الناس فقال النبي صلي الله عليه وسلم دعوه فإنما بعثتم ميسرين, ولم تبعثوا معسرين وهذا هو أسلوب النبي في معاملة المخطئين وغير العارفين. وقد نهي الله في القرآن عن الضرب المبرح وأمر بأن يكون الضرب غير مبرح, أي غير جارح أو مؤثر تأثيرا واضحا, وقد أجمع أهل العلم علي أن الضرب في أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم والآيات القرآنية هو الضرب غير المؤذي, وغير المهين, وإنما كما قلنا يقصد به تعنيف المخطئ حتي يتذكر دائما العقاب كلما هم بمثل هذا الخطأ مرة أخري, وهو موقف أيضا من ولي الأمر ضد الطفل أو ضد الزوجة, لابد وأن يقابله موقف آخر عند فعل الصواب والخير, وهذا هو نهج الإسلام في تربية النشء المسلم. أما الدكتور طارق عبد الحميد الأستاذ بجامعة الأزهر, فيؤكد أن استخدام الضرب في التأديب بصفة عامة يكون وفقا للظروف, وليس حكما عاما, وذلك حسب حالة التلميذ, والوحيد الذي يقدر ذلك هو المعلم الأمين فالمعلم بحكم معرفته بتلاميذه يستطيع أن يجد العلاج الناجع, وليس الغرض من الضرب الإيذاء البدني وإنما الغرض هو الإشعار بالخطأ والخطر, ويكون الضرب بعد استنفاد كافة الوسائل التربوية التي يقننها التربويون الأمناء وما أكثرهم في مصر, أما عن الفتوي فهي تكون علي حسب المستفتي, وأولياء الأمور بالطبع ذهبوا ووضعوا مبررات الفتوي أو صيغة السؤال أمام المفتي, وهذا ما يحدث في حالة الفتوي بصفة عامة, وحينما طرأت علي الساحة بعض الحوادث مثل حالة قص شعر فتاة وإحداث عاهات في بعض التلاميذ, وهذا ليس جزما مني بما حدث في هذه الفتوي, ولكن تكون الفتوي دائما علي قدر السؤال وهو ما نتج عنه هذه الفتوي بأن من ضرب تلميذا فهو آثم, وعلينا أن نعود إلي سيرة ونهج المعلم والمربي الأول محمد صلي الله عليه وسلم الذي كان نعم المربي والمعلم ونعم الزوج, وما ضرب امرأة بيده قط ولا خادما, ورحم الله أنس الذي قال خدمت النبي عشر سنين فما قال لي أف قط أبدا ولا لشئ فعلته لم فعلته, ولا لشئ لم أفعله لم لم تفعله.