عندما يقرر رئيس بلدية القدس في إسرائيل وهو عربي الأصل أن يطلق اسم سيدة الغناء العربي أم كلثوم علي أحد الشوارع الرئيسية هناك لا يسعنا نحن المصريين والعرب إلا أن نتعجب لهذا الاعتراف بالأهمية والقوة والمكانة العالية التي مازالت تحققها "الست" بعد وفاتها بعشرات السنين وفي عقر دار العدو الأول لنا. اعتراف بأن أم كلثوم سيدة الغناء العربي تستحق أن تخلد وأن يوضع اسمها علي شارع في قلب القدسالمحتلة أو المدينة العتيقة التي تتمني إسرائيل أن تكون عاصمة لها. بالطبع لم يأت هذا القرار اعتباطا أو أن رئيس البلدية في القدس اتخذه لأنه عربي محب أو عاشق لأم كلثوم ولكنه قرار اتخذ عليه موافقة عليا والمؤكد أن وراءه هدفاً وتكتيكاً معيناً ورسالة يريدون أن يوصلوها لنا وللعالم. ليس كما قال نقيب الموسيقيين المصري إيمان البحر درويش بأنه اعتراف إسرائيل بمكانة أم كلثوم لأن إسرائيل تعرف جيدا مكانتها وقدرها منذ أيام عبدالناصر ووقوفها مع الثورة وضد العدوان الإسرائيلي علي مصر وبعد هزيمة 67 وبعد انتصارات أكتوبر.. يعرفون قدرها الفني والجماهيري والوطني أيضا.. بل إنهم كانوا يستمعون إلي أغانيها وكانت أشهر إذاعاتهم من الستينيات وحتي الآن تذيع أغانيها بشكل دائم وتبثها بإهداءات إلي جمهورها. في رأيي القرار الإسرائيلي بإطلاق اسم الست علي أحد شوارع مدينة القدس العتيقة وراءه هدف واضح وهو أن إسرائيل تريد أن تقول للعالم إنها دولة متحضرة وأنها تقدر الفن والإبداع وكبار النجوم وأساطين الإبداع الفني حتي لو كانوا من أعدائهم المصريين وتريد أن تقول للعالم أيضا إن مدينة القدس في أمان وحرية وديمقراطية وتسامح مادامت في يد الإسرائيليين وأنها إذا أصبحت عاصمتهم فسيجد فيها العرب أسماء شوارع تحمل أسماء رموزهم الفنية المحبوبة. لذلك كان أول اختيارهم علي أعلي وأكبر قامة فنية عربية علي مر الأجيال ليطلقون اسم أحد الشوارع علي اسمها إنها أم كلثوم التي غنت وأطربت العالم وناضلت بصوتها ضد إسرائيل نفسها. إسرائيل أو القادة الإسرائيليون الذين وافقوا علي ذلك لا يجمعهم غرام بصوت الست ولكنهم يبعثون رسالة بأن القدس عاصمتهم المأمولة ستكون مفتوحة للجميع ومتسامحة ومقدرة للعرب والمصريين ولكن ذلك لن يفلح فستظل القدسالمدينة المقدسة مطلبا دائما علي مر الأجيال.. واستردادها حتمي مهما طال الزمان.