لو تخيلت نفسك رجلاً صالحاً قويم الخلق صاحب رسالة سامية تريد أن تقنع بها الآخرين ليعيشوا سعداء إذا طبقوها في حياتهم. فإن أول شيء لوصول هذه الرسالة إلي الطرف الآخر أن يشعروا باستقامتك وقوامتك لتكون بالنسبة لهم نموذجاً يحتذي وقدوة يهتدي بها. فإذا فشلت في ايصال رسالتك إلي الآخرين علي النحو الذي أردته فمن الذي يتحمل عبء هذا الفشل؟! هل تحمله للطرف الآخر لأنه لم يفهم؟! أم تحمله لنفسك لأنك فشلت في توصيلها بالقدر الذي يقنعه؟! جماعة الإخوان المسلمين جماعة دعوية سياسية لها رسالة وأهداف وبرامج لنشر هذه الرسالة واقناع الآخرين بها وهي تسعي كما سعت في مصر وبعض الدول الأخري للحكم لنقل رسالتها من الأسلوب النظري إلي الواقع العملي.. ونجاحها أو فشلها يرتبط بها هي لا بغيرها.. فإذا نجحت فإن معني ذلك أنها تسير علي الدرب الصحيح. وإذا فشلت فإن ذلك لا يعني سوي شيء واحد أن أفعالها تناقض نظرياتها. عندما شن خلفان الضاحي مدير الشرطة في دبي هجوماً عنيفاً علي جماعة الإخوان قلنا وقال الناس: إن هذا موقف شخصي لخلفان يعبر عنه فقط ولا يعبر عن موقف دولة الإمارات الشقيقة.. ومواقف الأفراد شيء يخصهم وحدهم.. لكن الأهم هو موقف الشعب وموقف الحكومة. اقتنعنا بذلك فترة طويلة.. ورغم أننا نشعر بفتور العلاقة بين مصر ودولة الإمارات منذ صعود جماعة الإخوان إلي صدارة المشهد السياسي في مصر ووصول مرشحها الدكتور محمد مرسي إلي مقعد الرئاسة إلا أننا كنا ننتظر اللحظة بعد الأخري أن تعود حرارة العلاقات إلي وضعها الطبيعي بصرف النظر عن موقف خلفان الضاحي. لكن المفاجأة التي صدمتنا تمثلت في تصريح للشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي والذي نقلته عنه وكالة رويتر للأخبار أكد أن موقف خلفان الضاحي ليس موقفاً شخصياً وإنما يعبر عن موقف الدولة الشقيقة.. فماذا قال الشيخ عبدالله؟! قال: إنه يجب علي دول الخليج التعاون لمنع جماعة الإخوان المسلمين من التآمر لتقويض الحكومات في المنطقة. لأن فكر الإخوان لا يؤمن بالدولة الوطنية ولا يؤمن بسيادة الدول. ولهذا السبب ليس غريباً أن يقوم التنظيم العالمي للإخوان بالتواصل والعمل علي اختراق هيبة الدول وسيادتها وقوانينها. أضاف وزير الخارجية الإماراتي أنه لا أحد ضد أي عمل يقوم به أفراد يحترمون سيادة وقوانين الدول. ولكن هناك اشكالية عند الدول في حالة وجود تنظيم يعتقد أنه هناك هيبة ومكانة وقدرة لدي جهات معينة يمكنها أن تخترق السيادة.. وهذه الجهات تعترف بأنها كيانات شمولية تريد أن تعتدي وتخترق أنظمة وقوانين وسيادة تلك الدول. ثم أضاف: لابد أن نتواصل مع دول مختلفة للتعاون وتوضيح وجهات النظر.. لأن هناك أخطاء ترتكب من قبل بعض الأفراد أو تنظيمات لاستغلال الدول. هذا مفهوم أحد كبار المسئولين في دولة الإمارات الشقيقة ذات الوضع والمكانة المهمة في منطقة الخليج عن جماعة الإخوان المسلمين.. وهو مفهوم يحمل في طياته الخوف والحذر من الجماعة ومفاهيمها وسلوكياتها.. بل يحمل ما يشبه العداء.. فإذا استطاعت الجماعة أن تصل إلي الحكم في بلد مثل مصر.. فهل ننتظر من دولة مثل الإمارات وربما دول أخري في الخليج أن تكون علاقاتها مع مصر علاقات طبيعية تقوم علي التعاون والتضامن ضمن منظومة العلاقات الثنائية أو منظومة الجامعة العربية؟! لاشك أن ذلك الموقف لا يسعدنا كشعب.. ولاشك أن عبء إصلاح هذه العلاقات وتغيير مفهوم الدول الأخري عن الإخوان وسلوكياتهم يقع علي زعامات الجماعة من خلال تصرفات عملية تثبت حسن نواياها تجاه الآخرين.. وأنها لا تهدف إلي اختراق هذه الدول بشكل أو آخر. مصر في حاجة إلي مجالها العربي أكثر من أي مجال آخر فبدون هذا المجال تظل منقوصة الأطراف.. وهذا لا يليق ببلد يحاول أن يسترد مكانته التي فقدها علي مدي عشرات السنين الماضية.