الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، والصلاة والسلام على رسول الله، ذُكِرَتْ كلمة "صبر" ومشتقاتها في القرآن الكريم في تسعة وستين موضعًا، وأمرنا المولى عز وجل بالاستعانة بالصبر؛ حيث قال في محكم التنزيل "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ..." (سورة البقرة – من الآية 45)، والصبر أنواع فمنه الصبر في الدعوة إلى الله عز وجل فقد قال الحق سبحانه وتعالى للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم "وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ..." (سورة النحل – من الآية 127)، والصبر على الطاعات حيث قال عز من قائل "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ..." (سورة الكهف – من الآية 28)، ومن أبرز الأمثلة للصبر عن المعاصي رفض سيدنا يوسف لغواية امرأة العزيز فقد قال المولى عز وجل عن لسان سيدنا يوسف "قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ..." (سورة يوسف – من الآية 33)، والصبر على الابتلاء مثل صبر نبي الله أيوب عليه السلام فقد قال المولى عز وجل ".. إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ" (سورة ص – من الآية 44)، ومثل صبر سيدنا يعقوب على فقد ابنه سيدنا يوسف عليهما السلام "...فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ..." (سورة يوسف – من الآية 18)، وقد وصىًّ لقمان ابنه بالصبر فقال " يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (سورة لقمان – الآية 17)، والصبر على أذى الناس "وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (سورة الشورى – الآية 43)، وكذلك الصبر عن لقاء الله لمن زهد في الدنيا وتمنى لقاء خالقه، ومن أفضل ثمرات الصبر معية الخالق سبحانه وتعالى فقد قال الحق تبارك اسمه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (سورة البقرة – الآية 153)، وقد وعد الملك القدوس عباده المؤمنين بأن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين جزاء الصبر والتقوى حيث قال عز من قائل "بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ" (سورة آل عمران – الآية 125)، ومن ثمرات الصبر أيضا محبة الله عز وجل للصابرين وكذا البشرى وصلوات الله ورحمته على الصابرين فقال سبحانه وتعالى "...وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" (سورة آل عمران – من الآية 146) وقال الملك الحق "...وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" (سورة البقرة – من الآيات 155و156 و157)، وتخيل معي أيها القارئ الكريم كم تكون سعادتك عندما تدخل عليك الملائكة من كل باب من أبواب الجنة وأنت تجلس مع من صلح من أبائك وأزواجك وذرياتك وتقول لكم "سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار"ِ (سورة الرعد– الآية 24)، وتأمل معي قول من بيده ملكوت كل شيء "إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ" (سورة المؤمنون – الآية 111)، وكذا قول ذو الجلال والإكرام "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" (سورة فُصِلت – الآية 35)، ووعد الله للصابرين ليس فقط بدخول الجنة ولكن بالخلود فيها أيضاً كما في قوله عز وجل "أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا* خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا" (سورة الفرقان – الآيتان 75 و76). وبعد فهذا الذي ذكرته جزء قليل من الجزاء العظيم الذي أعده فاطر السموات والأرض للصابرين، حيث لا يتسع المقام لأكثر من هذا، وإني لأدعو الله العلي القدير أن يجعلنا من الصابرين حتى ننال محبته وعظيم أجره.