أن تجتمع كل الأطراف التي "ركبت" ثورة يناير، على كراهية د. محمد البرادعي، فإنها ظاهرة تدعوك إلى أن تقف أمامها ثم تتأملها جيدا. المجلس العسكري لا يطيق سماع اسم البرادعي، وهي ذات المشاعر التي لا زالت حاضرة وبذات الزخم داخل الرأي العام بكل مؤسسات القوة على تعددها واتساعها، وداخل التيار الأمني بشقيه الرسمي "الميري" والمدني "الإعلام التعبوي الخاص الموالي للسلطة".. والممول من الرأسمالية اللصوصية الموروثة من عهد مبارك. والإخوان والسلفيون يكرهون أيضا الرجل، وقد نظمت الفضائيات الدينية والسلفية عليه حملة عاتية في عهدي طنطاوي ومرسي، نهشت عرضه واتهمته في دينه وتتبعت عورة ابنته، ونشرت صورا لها بملابس البحر "البكيني"!!. كراهية المجلس العسكري للبرادعي كان لها ما يبررها، فالأول كان يخشى أن يتولى منصبا سياسيا رفيعا يخضع له دستوريا العسكريون.. فالبرادعي يختلف عن كل السياسيين المصريين في الداخل، فهو لم يلوث في عهد مبارك، وشخصية تحظى باحترام دولي واسع وموضع ثقة المجتمع الدولي، وهو بذلك يستعصي على أية محاولة من طنطاوي لاحتوائه والسيطرة عليه، أو تحريكه بالهاتف من كوبري القبة.. ما جعله موضع "كراهية" لدى قطاع واسع من الطبقة الأمنية التي تعاقبت على حكم مصر منذ ثورة يناير وإلى الآن.. ولعل وثيقة "ويكليكس" المسربة منذ أيام، كشفت كيف وضع البرادعي شروطا صارمة حال قبل منصب رئاسة الوزراء، وهي الشروط التي رفضها طنطاوي، وعجلت بإنهاء التواصل بينهما. في المقابل.. لم أفهم حتى اللحظة سببا لكراهية الإسلاميين وخاصة الإخوان والسلفيين ل محمد البرادعي.. رغم أنه كان بعد الثورة الأنسب في تولي السلطة، لحصانته الدولية التي كان من شأنها أن تعزز موقفه وتجعله أكثر صلابة في مواجهة سيناريوهات إجهاض الثورة داخل غرف ومكاتب الدولة السرية.. وتردع في الوقت نفسه أية أطماع للانقلاب المسلح على السلطة. تكاتف الجنرالات آنذاك مع الإخوان والإسلاميين، للضغط في اتجاه استبعاده من رئاسة الحكومة: الطرف الأول لأسباب ذكرتها تفصيلا.. أما الطرف الثاني فكان موقفه من الرجل مثيرا للصدمة، ومشيرا إما إلى سذاجة الرؤية السياسية، وإما إلى الطمع في السلطة بالتنسيق مع الطرف الأول.. والنتيجة كما نرى الآن: غرق الطرفان في مستنقع لا قرار له، أحدهما فشل، والآخر يكابد مشقة بالغة كي لا يصطدم بذات الجبال العاتية والصلدة التي حطمت مركب محمد مرسي من قبله. والسذاجة لا زالت هي سيدة الموقف، وإلا كيف نفهم شطب اسم محمد البرادعي من قائمة الحاصلين على جائزة نوبل من مناهج التعليم في مصر؟! يتخيلون أن حذفه بجرة قلم من وزارة التعليم، سيتبعه شطب اسمه من التاريخ الذي كتبته الجائزة لهذا الرجل.. وهي الأقوى والأبقى من وزراء وسياسيين هواه ومغيبين وعديمي الموهبة وفقدوا الإحساس بالتاريخ وبالجغرافيا.. وبإحداثيات الزمان والمكان.. أموات لا قيمة لهم.. لا يدركون أن البرادعي باق محليا لدوره في إبداع يناير غير المسبوق.. وعالميا بجائزة نوبل.. أما الذين شطبوه من مناهج التعليم.. فهم منسيون حتى من قبل أن يرحلوا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.