يعد يوم السبت 20 فبراير هو يوم أمناء الشرطة بعد قيام بعضهم بارتكاب جرائم جديدة ضد المواطنين، كان منها قتل مواطنة بالمنوفية على يد أحد أمناء الشرطة، ومواطن آخر بالخصوص على يد جاره، وتعيدنا هذه الأحداث إلى الفيلم الدرامى الذى جسده الفنان خالد صالح، وهو يصف دولة أمناء الشرطة، والبلطجة التى يتبعونها مع المواطنين. وأعدت "هافنجتون بوست عربى" تقريرا عن دولة أمناء الشرطة فى مصر، وخطة الداخلية للتخلص منهم، بعد أن أصبح مستقبل أمناء الشرطة، قضية الساعة فى مصر. ويبدو أن للأزمة عدة أبعاد، وأنها لم تكن وليدة اليوم، وذلك بعد أن أصبح أمناء الشرطة بتجاوزاتهم بمثابة صداع فى رأس وزارة الداخلية بعد ثورة 25 يناير، بعد تحولهم من أداة للقمع أو عصا غليظة فى يد السلطة لتنفيذ القانون تعمل تحت السيطرة إلى مصدر تهديد لضباط وقيادات الوزارة يخشون الصدام معهم. بداية القصة ووفقا لتاريخ نشأة معهد أمناء الشرطة، فإن الهدف الأساسى من إنشائه فى عام 1967م على يد وزير الداخلية شعراوى جمعة، هو تخريج رجل شرطة بديلا عن "الكونستبلات" من راكبى الخيول، يكون قادراً على معاونة الضباط فى السيطرة الأمنية. وكان من أسس الالتحاق بالمعهد، أن يكون الطالب حاصلاً على الثانوية العامة أو ما يعادلها، ثم يلتحق بمعهد أمناء الشرطة لمدة عامين يدرس خلالهما المواد الشرطية والحقوقية ويتم بعدها تخريجه على درجة أمين شرطة ثالث، ويتدرج من ثالث إلى أمين ثان ثم أمين أول، وبذلك يكون مرَّ على خدمته 15 عاماً وبذلك يكون من حقه الترقية لرتبة ملازم شرطة. وأصبحت تلك الفئة عصب الوزارة بعد وصول أعدادهم إلى أكثر من 400 ألف أمين شرطة، بمعدل 10 أضعاف عدد ضباط الشرطة، حسب العقيد محمود قطرى الخبير الأمنى الذى أكد أنهم ينتشرون فى كل قطاعات الوزارة ومفاصلها الحيوية. ولكنهم ظلوا تحت السيطرة فى ظل حزمة إجراءات رادعة فرضتها الدولة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك لمن يفكر أن يخرج منهم عن سيطرة الوزارة، وخاصة بعد واقعة انتفاضة جنود الأمن المركزى الشهيرة التى وقعت فى العام 1986. الخروج من القمقم بعد ثورة يناير 2011، مارس الأمناء ضغوطاً كبيرة، وحصلوا على العديد من المكاسب، كان أهمها تطبيق قانون الالتحاق بكلية الشرطة بعد الحصول على ليسانس الحقوق، حيث كان هناك تعنت من وزارة الداخلية إزاء هذا الأمر، وكذلك إلغاء المحاكمات العسكرية لأمناء الشرطة والتى كانت بمثابة السيف المسلط على رقابهم. وقال العقيد محمود قطرى الخبير الأمني، إن النظام الشرطى فى مصر حرص على أن تكون تلك الفئة صاحبة الوجه القمعى أمام الرأى العام، خاضعة للسيطرة رغم قوتهم العددية والتنفيذية فى الشارع، وهى معادلة ولدت شعور القهر والكراهية لدى فئة الأمناء تجاه ضباط الشرطة، خصوصاً فى ظل شعورهم بأن الضابط يستمد قوته الفعلية من قوة أمين الشرطة فى الشارع. وأضاف أن ما زاد من هذا الشعور تعنت الدولة فى عهد مبارك بمسألة تصعيدهم داخل الهرم الأمنى بمنع تدرجهم إلى فئة الضباط، رغم أن القانون يمنحهم هذا الحق، وإخضاعهم لسطوة حديدية من محاكم عسكرية لأتفه الأسباب. وأكد قطرى أن قيادات الداخلية بدأت تشعر بخطر الأمناء بعد ثورة 25 يناير، خاصة وأن الأمناء هم الذين تعرضوا للخطر على الأرض فى مواجهة الشعب والثوار، وأن الضغوط التى مارسها الأمناء بعد الثورة مكنت عدداً كبيراً منهم من التحول إلى شريحة ضباط الشرطة، ووصل الأمر إلى أن أصبحوا يمثلون ثلثى عدد الضباط العاملين بالجهاز، بالمقارنة بمن تخرج من كلية الشرطة. ما يعنى أن للأمناء ظهيراً يدافع عنهم من الضباط من زملائهم القدامى الذين ترقوا فى المهنة. ويقول الخبير الأمنى إن المعادلة تغيرت أمام قيادات الداخلية، الذين أصبحوا فى حالة قلق من فئة الأمناء جعلتهم يفكرون فى التخطيط للتخلص منهم، أو إضعاف سلطتهم، خصوصاً بعد أن أظهرت تلك الفئة ترابطاً وتنسيقاً كبيرين لم تتخيله قيادات الوزارة، تمثلت فى الائتلافات التى تم تكوينها عقب ثورة 25 يناير وقدرتها على الحشد، وجرأتهم التى وصلت إلى غلق أقسام الشرطة واحتجاز بعض الضباط بداخلها. وكشف أن التخطيط لإلغاء نظام أمين الشرطة بدأ بالفعل من عدة سنوات، وذلك بعد إيقاف تخريج الأمناء منذ 3 سنوات تقريباً، وتعويض تلك الشريحة فى هيكل الأفراد بالوزارة باستبدالها بفئة "مندوبى الشرطة" أو معاونى الشرطة، من الحاصلين على الإعدادية. خروج عن السيطرة ويشير العديد من المحللين السياسيين فى مصر، إلى أن العامين الماضيين شهدا ارتفاع نسبة الجرائم التى يقوم بها أمناء الشرطة فى مصر، وذلك بالتوزاى مع السلطة المطلقة التى منحها النظام المصرى لجهاز الشرطة لقمع المظاهرات المعارضة له. "هافنغتون بوست عربي" رصد كيف تعددت جرائم "دولة حاتم" -نسبة إلى شخصية أمين الشرطة فى فيلم "هى فوضى" للمخرج يوسف شاهين- فى تقريرها الذى نشرته منذ يومين. حيث يقول العميد خالد عكاشة، الخبير الأمني، إن تجاوزات أمناء الشرطة باتت ظاهرة، فلا يمر أسبوع من دون وقوع حوادث انتهاك وتجاوزات من جانبهم، "الأمر يحتاج إلى وقفة مهمة، وأصبح من الملحِّ مراجعة كل القوانين واللوائح التى صدرت عقب ثورة يناير، وجعلت ترقية الأفراد إلى أمناء شرطة بشكل أوتوماتيكى بعيدًا عن التأهيل أو النظر فى مدى قدرتهم على القيام بالمهام المطلوبة منهم". وأكد عكاشة فى تصريحات خاصة، أن تصاعد الغضب الشعبي، سيجبر وزارة الداخلية على إعادة النظر فى وضع الأمناء والتعجيل بوضع آلية جديدة وحديثة، للتعامل مع كل من يقومون بمساعدة الضباط على أداء وظيفتهم، وأن يكون التصور والفلسفة شاملين بما يضمن وضع ضوابط جديدة للمحاسبة والتأهيل، وذلك لضمان قيامهم بالمهام المطلوبة. خريف الغضب مستمر ويبدو أن خريف الغضب تجاه انتهاكات أمناء الشرطة لن يتوقف عند غضبة الأطباء، أو تصعيد أهالى الدرب الأحمر المؤقت، وذلك بعد انتشار دعوات التظاهر ضد الداخلية، وظهور حملتين يحملا الشعار نفسه "حاتم لازم يتحاكم"، تدعو الأولى للتظاهر على سلم نقابة الصحفيين يوم 26 فبراير/شباط، فيما حددت الثانية موعد التظاهر يوم 25 مارس/آذار، ووصل عدد الذين أعلنوا عن نيتهم المشاركة فى كليهما أكثر من 50 ألف شخص، فيما أبدى أكثر من 170 ألف شخص اهتمامهم بتلك الدعوات، وذلك فى غضون 48 ساعة فقط من انطلاقها. وتأتى تلك الدعوات الجديدة مع استمرار حملة الأطباء التصعيدية ضد الداخلية، وبدأ التصعيد على الأرض بتنظيم وقفات احتجاجية بالمستشفيات منذ أمس السبت، مع انتقال موجة الغضب إلى مجلس النواب، وإعلان الدكتور سمير غطاس، عضو المجلس عن نيته جمع توقيعات من النواب، لتقديم طلب بإعادة هيكلة الداخلية وإغلاق معهد أمناء الشرطة، بعد أن أثبتت التجربة أن المعهد يضر بمصلحة الأمن ووزارة الداخلية. فيما طالب النائب محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، بإقالة وزير الداخلية، بعدما وصفه بالانهيار المخيف فى مستوى الانضباط وضبط النفس بين أفراد جهاز الشرطة، وفى ظل التجاوزات التى لم تعد قاصرة على الشق الجنائى فقط، وإنما امتدت لتشمل تجاوزات أخرى كثيرة تتعلق بالأمن السياسى تحت شماعة "الظروف الاستثنائية" التى تمر بها البلاد. تحرك عكس مطالب الثورة ويبدو فى الأفق أن قيادات الداخلية تسعى للاستفادة من موجة الغضب الشعبى وتسريع خطة إبدال "حاتم" الحاصل على الثانوية، الذى خرج عن السيطرة، ب"حاتم" الحاصل على الإعدادية، مع إعادة القبضة الحديدية مرة أخرى لإخضاع الأمناء داخل الخدمة، مع الظهور أمام الرأى العام بشكل مُرضٍ، رغم أن هذا التحرك يختلف تماما عن تصورات إعادة هيكلة الوزارة بعد ثورة 25 يناير. هذا الأمر كشفته التقارير الإعلامية التى نشرتها المواقع المصرية عقب بيان الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذى أعلن من خلاله عن إدخال تشريعات خلال 15 يوما لعودة الإنضباط داخل المؤسسة الأمنية، وكشفت التقارير عن السيناريو المطروح، وذلك بالتوسع فى الاستعانة ب"معاونى الأمن" للاستغناء سريعا عن أمناء الشرطة مع مرور الوقت. وأعلنت الداخلية بدء تلقى الطلبات لتلك الوظيفة وفقًا لأسس ومعايير، منها أن تتراوح أعمار المتقدمين بين 19 و23 عامًا، ومن حملة الشهادة الإعدادية، وأن يقضى 18 شهراً دراسيًّا، يتخرج بعدها بوظيفة معاون أمن ثالث، قابل للترقى حتى درجة معاون أمن أول فقط. وهنا يقول اللواء محمد الغباشى نائب رئيس حزب حماة الوطن، والخبير الأمنى والعسكري، إن فكرة "المعاون" كانت أحد أهم مطالب إعادة هيكلة وزارة الداخلية بعد ثورة يناير، ولكن كان الهدف أن يكونوا من خريجى كلية الحقوق، ويحصل الخريج على مزايا ضابط الشرطة المالية من دون الحصول على لقب الضابط. وأكد الغباشى ل"هافينغتون بوسيت عربي"، أن الدراسات والخطط التى تم إعدادها من الجهات المختلفة اتفقت على أن يكون هؤلاء هم العناصر الأساسية الذين يتم توزيعهم على جميع أماكن التعامل مع الجماهير بوزارة الداخلية، سواء فى قطاع المرور والسجل المدنى والجوازات، أو فى قطاعات شرطة المرافق والكهرباء، وبقية الخدمات التى تقدمها الوزارة وتتطلب تواصلاً مباشراً مع الجمهور، على أن يكون ضباط الكلية هم القوة المسلحة، والخاصة بالأمن العام والأمن المركزى وأمن الدولة، ويتم إبعادهم عن الجمهور.