إيطاليا وصفت التعذيب الذي تعرض له مواطنها "جوليو ريجيني" بأنه "تعذيب حيواني"!! وهو تعبير ربما لا يفي بوصف ما تعرض له هذا المواطن الإيطالي المحب لمصر، كما قال زملاؤه وأساتذته، من تعذيب مروع لا يمكن أن يتحمله بشر أو أن يقوم به بشر. صحيفة "الصنداي تايمز" نقلت عن تقرير الطب الشرعي الذي سُرب إلى "رويترز" بعض التفاصيل.. ومنها: "أن ريجيني تعرض للصعق بالكهرباء على عضوه الذكري، وكسر 7 ضلوع، وإصابات أخرى شديدة، ونزيف المخ، كما يبدو أنه تعرض لتقطيع في جسده بآلة حادة مثل الموس، وللضرب بالعصا واللكمات والأرجل".. كان تقرير إيطالي قال في وقت سابق إن ريجيني تعرض للحرق بالسجائر، وإن أظافره قد نزعت وقطع الجزء العلوي من أذنه"!! أخطر ما في تقرير الطب الشرعي الذي نشرته وكالة "رويترز" للأنباء، وكذلك الذي نشرته إيطاليا، هو أنه يتضمن قائمة بأنواع التعذيب التي يمكن أن يتعرض لها المختفون قسريًا.. وكل شيء لا يمكن استبعاده.. فحتى الآن لم يثبت أن ريجيني كان معتقلاً لدى جهاز أمني مصري، ولكن الإيطاليين لا يصدقون، وكذلك الإعلام الغربي، وصحيفة "الصنداي تايمز" يوم أمس 14/2/2016 صدرت بعنوان كبير وضخم بحجم الصفحة يقول صراحة: "القاهرة متهمة في قتل الشاب الإيطالي"!! وكذلك المصريون لا يصدقون، فتجربتهم مع الأجهزة الأمنية، تجعلهم يتوقعون ما توقعه الغربيون بشأن تعذيب وقتل "ريجيني".. ناهيك عن الإجراءات التي اتخذتها القاهرة، كانت فضائحية بشكل يعزز من الشكوك والاتهامات ولا ينفيها، ويعطي انطباعًا إلى المجتمع الدولي بأنها ستتعامل مع قضية "ريجيني" على طريقة تعاملها مع مواطنيها من المصريين المستضعفين: الطرمخة والتزوير في تقارير التعذيب. "الصنداي تايمز" في تقريرها المشار إليه فيما تقدم، فجرت مفاجأة من العيار الثقيل، عندما كشفت أن الضابط المسؤول عن التحقيق، حُكم عليه في السابق بعقوبة مع وقف التنفيذ لتزوير تقارير الشرطة حول تعذيب معتقلين حتى الموت!! يعني اختاروا ضابطًا خبيرًا في الطرمخة والتزوير!! وهو اختيار مخز لا يترك فرصة لأن يُحسن المصريون والغربيون والإيطاليون الظن في شفافية الموقف المصري من مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي. الرسالة هنا لن يتلقفها المجتمع الدولي، على هذا النحو، وإنما أيضًا فإن المصريين معنيون بمعناها الحقيقي: فإذا كانوا يفعلون ذلك مع إيطاليا.. فما عسانا نتوقع حال كان الضحية من المستضعفين في مصر؟! ولعل ذلك ما يجعل الخطاب الإعلامي الغربي، يتوسع في قضية ريجيني، ويتخذ منها تكأة لمطالبة المجتمع الدولي، باتخاذ موقف أكثر تشددًا إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.. وأن ريجيني مجرد رقم من بين مئات الضحايا، الذين تتحدث عنهم منظمات حقوقية دولية مستقلة وتحظى بالاحترام والثقة، ناهيك عن منظمة حقوق الإنسان الحكومية في القاهرة. وفي تقديري فإنه في ظل الأوضاع الحالية، وغياب وجود إرادة سياسية جادة، ترغب بنية صادقة في التصدي للانتهاكات، وإصلاح مرفقي الأمن والعدالة، فإن محنة الشعب المصري ستتضاعف، لأن المساعدات التي يعيش عليها الآن، مرهونة بكفاءة صناع القرار، وبوعيهم بأن الدنيا تغيرت وأن أدوات القوة لم تعد في يد السلطات المحلية وحدها.. ولكن يبدو لي أن تلك الكفاءة وهذا الوعي، باتا محل شكوك هي أقرب إلى القطع واليقين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.