حين نذرف الدمع نغسل قلوبنا وننقى أنفسنا ونطهر ذواتنا وننسج من الراحة سكنا لنا، فكم من أناس قتلهم الهم والكمد لأنهم لم يستطيعوا أن يذرفوا دمعا ، فماتوا بكمدهم وهمهم، قالوا لثابت البنانى : عالج عينك ولا تبك. فقال: أى خير فى عين لاتبكى؟ بقلبى منهم علق ودمع فيهم علق ولى من حبهم حرق لها الأحشاء تحترق وما تركوا سوى رمقى فليتهم لهم رمق وحين ينسج الموت خيوطه ويخطف الموت الحجيج تعلو دموعنا وجوهَنا ونبكى على فراق مزق جمعنا وشتت شملنا، هى مشاهد عشناها حجيجا هذا العام ولكم اّلمنى حال أمتنا التى تحتاج إلى مزيد من طول وعى وفقه وسلوك حتى نكون عند مستوى مسؤليتنا كأمة شاهدة على الأمم " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً"(النساء:41) فكيف إذا جمعنا الله لنشهد على الأمم جميعها ؟ ماذا سنقول لربنا حين يسألنا عن دماء المسلمين التى هى أعظم عند الله من الكعبة، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلى الكعبة ويخاطبها قائلا: إنك لعظيمة، لكن حرمة دم المسلم أعظم عند الله منك" أين حرمة دم المسلم فى حياة المسلم وهو يتدافع ويزاحم غيره وبكل ما أوتى من قوة ليرمى الجمرة فى وقت الزوال وعنده متسع طوال اليوم فيسقط الحجيج تحت الأقدام ونسأل الله تعالى أن يتقبلهم فى الشهداء ...وقفتى التى أردت الوقوف عليها هى مع سلوك الحجيج فى أطهر بقاع الأرض وكيف أن الأمة بأسرها فى حاجة إلى تربية مستمرة وتوعية دائمة وقديمًا قال الإمام "الغزالي": "وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً؛ وإنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية بالغذاء، فكذلك النفس تُخلق ناقصةً، قابلةً للكمال، وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم.. والصبي مهما أهمل في ابتداء نشوئه خرج في الأغلب رديء الأخلاق كذابًا، حسودًا سروقًا، نمَّامًا لحوحًا، ذا فضول وضحك وكياد ومجانة؛ وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب" ولهذا فالمسؤلية عظيمة والتبعة جسيمة لكى نربى الأمة على فقه الأولويات وعلى السلوك الإسلامى القويم الذى يحفظ الدم والحرمات كحق من حقوق المسلم على أخيه المسلم... نحن فى حاجة إلى تربية الأمم وتربية الشعوب قبل أن نوجد الحلول البديلة للتزاحم .. دموع نذرفها على من يستهينون بالمشاعر والأماكن المقدسة والزمان المقدس وكأنهم فى رحلة شواء أو فى حفل بهيج فلا تسمع على عرفات الله سوى قهقهات وصيحات من الحجيج ولقد أرقنى أننى شممت رائحة كريهة فخرجت من خيمتى لأجد أحد الحجيج وهو يحمل السيجارة فى يده ويدخن قلت له يا أخى أنت فى مكان مقدس فاترك مافى يدك وأقلع عن التدخين فقال لى توكل على الله ، فدخلت خيمتى متحسرا على حاله وحال الكثيرين من امثاله الذين يتبجحون ويبارزون الله بالمعاصى فى موقف عظيم وبعد قليل سمعت صوت فرقعة وتجمع من الناس فخرجت ليتأكد لى أن الصوت كان صوت يد هوت على وجه أحد الحجيج وهو يحاول أن يتجاوزه فقلت هل هذا هو حال المسلمين فى عرفات؟ متى تصالح الأمة نفسها وتعود إلى ربها عودا حميدا وتستشعر عظمة الشعائر والمشاعر، وإذا ما دنا اليوم من الإنتهاء واقترب الغروب وحزم الحجيج أمتعتهم ليغادروا المكان تغوص قدمك فى أكوام من الزبالة والفضلات والناس يعيشون على روائحها طوال اليوم وإذا هممت لتنصح أحدا أن هذا السلوك غير إسلامى وأنه لابد للمسلم أن يكون نظيفا وأن يترك مكانه أنظف مما كان فيبادرك بفصاحته وحجته البالغة بأن الشأن شأنه وأن الله غفور رحيم... دموعنا يا أمتنا على أجيال فى حاجة إلى تربية وتوعية، تختل عندها المفاهيم وتضيع فى خضم الحياة عندها قيمة الزمان وفضل المكان .... د. إيهاب فؤاد المصريون : تقبل الله يا دكتور إيهاب ، والحمد لله على السلامة .