اتهامات متناقضة عدة واجهها المستشار هشام جنينة منذ تعيينه رئيسًا للجهاز المركزي للمحاسبات خلفا للمستشار جودت الملط، فتعيينه من قبل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 6سبتمبر 2012 جعله متهمًا بالانتماء إلى جماعة "الإخوان المسلمين" والعمل لأجل مصالحها السياسية، كذلك تأييده لمظاهرات 30يونيو ومباركته لموقف الجيش وقتها جعله متهمًا من الجماعة نفسها بالمشاركة فيما يسميه أعضاؤها وأنصارها ب "الانقلاب". بين هذه المواقف المتناقضة التي أثارت جدلاً شديدًا حول المستشار جنينة على مدار ثلاثة أعوام، كانت هناك معارك وتحديات عدة يواجهها أعلى جهاز رقابي في الدولة؛ فإلى جانب دعاوى عديدة ومطالبات بعزل رئيسه، تعرضت تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات للطعن في صحتها كما تعرض العديد من الموظفين به لمحاولات ترهيب مباشرة وغير مباشرة، كذلك مُنع بعضهم من أداء مهامه في الفحص والمراقبة على الجهات المختلفة وأبرزها "نادي القضاة" ووزارة الداخلية، ما جعل العديد من الشخصيات السياسية البارزة والنشطاء الداعمين لثورة 25يناير باختلاف انتماءاتهم يتضامنون معه، ويؤكدون أنه لامجال للبحث وراء أهداف الرجل وانتماءاته طالما أنه يسعى لتحقيق أحد أهداف الثورة وهو كشف الفساد ومحاربة الفاسدين ومحاسبتهم. وخاص جنينة أشرس معاركه مع المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة قبل توليه حقيبة العدل في التشكيل الوزاري الأخير، بعد أن رفض الأخير رقابة الجهاز على الأمور المالية للنادي بدعوى أنه أمر يخل باستقلال القضاء، ومع إصرار جنينة على إخضاع النادي لرقابة الجهاز تبادلاً تصريحات بهذا الشأن دفعت بالمعركة إلى ساحات المحاكم لم تحسم الأمر لصالح أي منهما حتى الآن في اتهامات متبادلة بالسب والقذف، إلا أن بعض وسائل الإعلام المتضامنة مع وزير العدل ظلت تمارس دورها بنقل المعركة من أروقة المحاكم إلى غرف معيشة المواطنين باستضافته للحديث عن "جنينة الإخواني" الذي لابد أن يتم عزله، مكررًا في أكثر من لقاء تليفزيوني أن ذلك سيحدث قريبًا جدًا رغم أن الدستور لا يكفله، حيث لايمكن عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات قبل انتهاء مدة تعيينه. كذلك أدى كشف الجهاز لفساد وإهدار المال العام من قبل وزارة الداخلية إلى فتح جبهة صراع جديدة، بعد أن أصرت الوزارة في عهد الوزير السابق اللواء محمد إبراهيم على رفض مراقبة الجهاز على أمورها المالية بحجة أنها تعمل في ظل ظروف وأوضاع غير عادية بمحاربتها للإرهاب، وظل جنينة يواصل تصريحاته بوجود فساد كبير داخل الوزارة، مؤكدًا أنه لن يتنازل عن أداء الجهاز لدوره الذي نص عليه القانون. وبعد تدخلات من مسئولين بارزين كان من بينهم رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب لإقناع مسئولي الوزارة بالسماح لموظفي الجهاز بالدخول ومباشرة عملهم، وافقت الوزارة أخيرًا على الخضوع لرقابة الجهاز حتى أشاد "جنينة" نفسه منذ وقت قصير بتعاون المسئولين فيها، موضحًا أن أول المؤشرات الإيجابية في سعي الداخلية للتعاون مع الجهاز المركزي للمحاسبات يجب أن يتمثل في إلزام اللواء مجدي عبد الغفار، وزير الداخلية، نفسه وجميع قيادات الوزارة بعدم تجاوز الحد الأقصى للأجور المنصوص عليه، وفقًا للقانون. أما الجبهة الثالثة، فقد فتحها "جنينة" بحديثه عن فساد بعض القيادات بأحد الأجهزة السيادية، وذلك بعد إعلانه عن أكبر مشكلة يواجهها الجهاز في أداء دوره الرقابي وهي رفض الجهات السيادية الرقابة عليها، وجاءت "المخابرات العامة" ضمن ما ذكر من جهات، ما أثار ضده غضب العديد من السياسيين والإعلاميين الذين اتهموه بأنه يواصل السعي لهدم الدولة المصرية وتدمير سمعة رموزها الوطنية لصالح جماعة "الإخوان المسلمين". وإلى جانب تقارير الجهاز التي كشفت فساد كبير في قطاعات النقل والأدوية والكهرباء والصحة والتعليم والأمن وغيرها من القطاعات، أصر "جنينة" على كشف الإهدار الكبير للمال العام على أيدي رجال أعمال بارزين وأصحاب مشاريع حصلوا عليها من خلال تسهيلات وامتيازات غير قانونية ومجاملات من مسئولين سابقين وحاليين تربطهم بهم علاقات شخصية وأحيانا عائلية مطالبًا بالتحقيق معهم وسحب المشاريع أو تسوية الأوضاع بما يتفق مع القانون ومصالح الدولة . وعلى رغم تأكيد جنينة في حوار أجرته "المصريون" معه بداية العام الجاري على اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بتسهيل مهمة الجهاز في كشف الفساد ومحاربة الفاسدين وإصداره تعليمات مباشرة لأجهزة الدولة للتعاون مع المركزي للمحاسبات وتسهيل مهام موظفيه، إلا أنه ظل يعاني من رفض جهات سيادية ومهمة الخضوع لرقابة الجهاز وكذلك من عدم التحقيق في بلاغ واحد من أكثر من 200 بلاغ كان قد تقدم بها الجهاز حتى العام الماضي إلى النيابة وجهاز الكسب غير المشروع، بل واستتبع ذلك قرار جمهوري بقانون يجيز للرئيس عزل رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية، ما اعتبره محللون وسياسيون محاولة للتخلص من جنينة وتعيين آخر، إلا أن ما ترقب الكثيرون حدوثه بعد القرار لم يحدث وظل جنينة في موقعه ولكن بعد لقاءات تليفزيونية دافع فيها عن نفسه ونفى صلته بأي جماعة هو وأسرته التي شاركته الظهور على إحدى القنوات الفضائية مثيرا بها انتقادات عدد كبير من مؤيديه الذين رأوا أنه قدم أسرته في هذه الحلقة بشكل "مستفز" ليؤكد فقط على أنه لايمكن أن ينتمي لجماعة "الإخوان المسلمين". وجاء القرار الجمهوري الأخير بتعيين نائبين لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات أحدهما تربطه علاقة وطيدة مع وزير العدل ليعيد الجدال حول الهدف منه وما يمكن أن يكون وراءه، فقالت مصادر قضائية إنه لا يمكن تجاهل الجبهات التي فتحها جنينة بكشفه المستمر للفساد في القطاعات المختلفة وخصوصا في الجهات التي يعتبرها المسئولون فيها منطقة محرمة ولا يجوز الاقتراب من دفاترها المالية، فيما أثار تصريح "جنينة" بأنه عرف نبأ تعيين نائبين له من الجريدة الرسمية حديث بشأن رغبة الرئيس نفسه في التخلص من جنينة، كما أثار القرار غضب مؤيدي الرئيس السيسي الذين تضامنوا مع جنينة في معاركه ضد الفساد وأبدوا تخوفهم من ضغوط تمارس على الرئاسة من رجال الأعمال ويديرها بعض المسئولين لصالحهم.