الصورة التي تسربت من داخل سجن طره للدكتور محمد سعد الكتاتني ، القيادي الإخواني ، ورئيس حزب الحرية والعدالة الفائز الأول في انتخابات برلمان "المجلس العسكري" ، ورئيس مجلس الشعب السابق ، حركت مشاعر كثيرة مترعة بالألم والغضب ، حتى من أبعد الناس تعاطفا مع الإخوان ومشروعهم وتجربتهم ، كانت معالم وجهه تحمل الكثير من علامات الإرهاق والشحوب وسوء الحال الصحية وحالة الغذاء معا ، الصورة كانت معبرة جدا وتختزل معاني كثيرة ، وانتشرت انتشارا هائلا على صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت داخل مصر وخارجها ، وسببت حرجا بدون شك لوزارة الداخلية ، والتي بادرت بتسريب بيانات مجهولة المصدر لنشرها في المواقع والصحف ، ومنسوبة دائما إلى "مصدر مسئول رفض ذكر اسمه" !! ، تقول أن الكتاتني وقيادات الإخوان في السجون يحظون برعاية صحية كبيرة ، ومتوفر لهم التغذية على أعلى مستوى ، وهي كلمات تذكر برسالة حافظ أبو سعدة ، الذي زار السجن بترتيب من وزارة الداخلية ، وخرج يحدث الناس عن أن المعتقلين يتناولون الكباب والكفتة ، وأعطى صورة مزيفة عن مستوى الرفاهية والترف الذي يعيش فيه المعتقلون . الصورة المنشورة للكتاتني قورنت دائما بصورته وهو يرأس مجلس الشعب ، كما استدعت الذاكرة مع الصورة فرضية أن لو وافق الكتاتني على حضور اجتماع 3 يوليو الشهير الذي دعي إليه لتدشين خارطة طريق جديدة ، ولكنه رفضه ، ماذا لو حضر الكتاتني ، لعله الآن كان نائبا لرئيس الوزراء لشؤون مجلس النواب مثلا ، ويمشي بحرس رسمي من الداخلية ، وسيارات مضادة للرصاص ويحل ضيفا معززا على شاشات الفضائيات الرسمية والخاصة ! . صورة الكتاتني ترافقت مع حملة أطلقها نشطاء لمساعدة المعتقلين ، أو المسجونين على ذمة قضايا سياسية في أن يحصلوا على ملابس شتوية ثقيلة ، بعد هجمة البرد الشديد ، وحيث تسربت رسائل مؤلمة للغاية من داخل السجون ، منها رسالة الشيخ محمود شعبان التي أرسلها لصحيفة المصريون ونشرناها أمس ، ورسائل أخرى عديدة ، كما أن هناك مبادرات شعبية للتطوع بإيصال بطاطين للمساجين ، خاصة وأن حكايات الموت داخل السجون أو أقسام الشرطة توالت ، بسبب الإهمال الطبي واللامبالاة ، وسوء التغذية والحرمان من الدواء ، حتى هذا الذي يوفره أهالي المسجونين ، فيقابل بالتعنت في توصيله للمرضى بالداخل ، وكانت هذه المأساة الإجرامية السبب المباشر في وفاة المغفور له بإذن الله الدكتور عصام دربالة ، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية ، والرجل الذي كان يطوف الصعيد يدعو لنبذ العنف ويحذر من الغلو والتكفير . تعيش مصر صراعا سياسيا عنيفا منذ الإطاحة بمرسي والإخوان ، لا شك في ذلك ، وكنت قد حذرت من قبل كل الأطراف من الوصول بالمواجهة إلى المعادلة الصفرية ، وأزعم أني أول من كتب في ذلك قبل حوالي عامين ونصف ، وقبل أن تجري الدماء الغزيرة في أرض مصر على خلفية هذا الصراع ، وتتوالد الثارات التي عمقت الانقسام الوطني ، ولكن في النهاية لا بد أن يكون الصراع تحت سقف محدد وغير منفلت ، وأن لا يكون الهدف هو التشفي أو التنكيل ، لأن هذا يخرج بالصراع السياسي عن دائرة السياسة ، ويصبح عنفا مجردا ، بلا هدف ، وأحقادا بلا نهاية ، ودمارا لكل شيء ، كما أنه لا يكسر إرادة ، بل ربما يؤدي إلى العكس ، مضافا إليه الرغبة في الانتقام ، وأظن أن كثيرا من دائرة العنف التي نعاني منها في مصر حتى الآن كان مردها إلى هذا الانفلات ، وغياب الرؤية عن "العنف المقنن" وحدوده وأهدافه . هناك تنديد دولي متكرر بملف مصر في حقوق الإنسان ، على خلفية ما يجري طوال العامين الماضيين ، ويتكرر الرد المصري الرسمي بالكلام الفضفاض الذي لا يقنع أحدا ، وبالمنطق الأعوج والمهين عندما نعاير الآخرين بأن عليهم انتقادات هم أيضا في حقوق الإنسان ، على طريقة "لا تعايرني ولا أعايرك الهم طايلني وطايلك" ، والمؤسف أن هذا الكلام صدر أحيانا عن وزارة الخارجية المصرية ، غير أن الأهم من التنديد الدولي أو الموقف الدولي ، هو رؤية رشيدة من الداخل ، تضبط هذا الانفلات ، وتكبح جماح العنف المؤسسي ، وتسحب شحنات الكراهية والغضب من نفوس ملايين الشباب ، من كل التيارات الآن ، فهذا في النهاية لمصلحة الوطن وأمنه الاجتماعي في صميمه ، كما أنه لمصلحة النظام السياسي الحاكم أيضا ، لو كانوا يعقلون ، رغم أي خلاف معه .