قال الدكتور غانم سعيد أستاذ بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، إن الجنوح نحو التشدد في الإسلام والميل تجاه التطرف في العبادة أمر قديم وقعت بعض محاولاته في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ظهرت في عهده صلى الله عليه وسلم بعض هذه المحاولات، وكان صلى الله وسلم حاسما حازما في مواجهتها، وكانت من أهم وأخطر تلك المحاولات، ما رواه أنس بن مالك — رضي الله عنه — من أنه قد (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخْبِرُوا كأنهم تقالُّوها (أي: ظنوها قليلة)، وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فأصلي أبدا. وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر لا أفطر. وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليهم وسلم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). متفق عليه. فهؤلاء الرجال الثلاثة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حاولوا أن ينزعوا في الدين منزعا متشددا وأن يسلكوا به مسلكا متطرفا يبتعد بهم عن وسطية الإسلام ويسره، وكان أخطر ما في أمرهم أن فكرتهم كانت فكرة جماعية اعتنقها أكثر من واحد مما أعطى مؤشرا على أن هذا الفكر يجد له بيئة تساعد على ذيوعه وانتشاره ولذلك هب الرسول صلى الله عليه وسلم لمقاومة الفكرة ووأدها في مهدها بكل عزم وحسم، فلم ينتظر الرجال الثلاثة حتى يأتوا إليه في مسجده مع الصلاة القادمة، ولم يرسل إليهم غيره ليبلغهم رسالته أو يطلب حضورهم إليه، ولكنه ذهب إليهم بنفسه حيث كانوا، ثم لم يكتف بما وصله عنهم مع تأكده بأن ما وصله صحيح وأنهم ما قالوه حقا، ولكن مع ذلك سألهم ليسمع منهم إقرارهم على أنفسهم ليقيم الحجة فلعل ما نسب إليهم لم يقولوه، ولما أقروا له لم يأخذهم صلى الله عليه وسلم بالشدة والتعنيف وإنما أخذ يقدم لهم القدوة في نفسه فهو أخشاهم لله وأتقاهم له ومع كل هذا يعيش حياة الفطرة كما خلقها الله، فهو يصلي ويرقد، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، ثم في نهاية حواره معهم، يوجه إليهم رسالته القوية الشديدة اللهجة معلنا براءته منهم إن استمروا في مسلكهم لأنهم بهذا خرجوا عن سنته ورغبوا عن منهجه وطريقته. وأضاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول حادثة تشدد يأخذ الأمر بحسم وعزم، ولا يتردد في الذهاب بنفسه إلى أصحاب هذا الفكر، ليقررهم بأفكارهم، ثم يحاورهم حوارا مقنعا يخلخل من خلاله فكرتهم ويطيح بمعتقداتهم فالفكرة لا تقتلها إلا الفكرة والحجة لا تواجه إلا بالحجة. وأكد أن فكرة التشدد في الإسلام لم تقتصر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجال فقط بل شاركهم فيها أيضًا النساء، واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم فيها أيضًا موقفا حاسما حازما، فقد روى أنس ابن مالك — رضي الله عنه — أنه قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت (أي تعبت من كثرة صلاتها) تعلقت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حُلُّوهُ، ليصل أحدكم نشاطه (أي وقت نشاطه وقوته) فإذا فتر (أي: تعب) فليرقد)). وبهذا الحسم وأد الرسول صلى الله عليه وسلم محاولة أخرى للتطرف والتشدد قامت بها امرأة. وأوضح أنه بمثل هذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم نستطيع أن نتصدى ونقاوم هذا الفكر المتطرف الذي شاع واستشرى وأصبح وباء، بعيدا عن خبراء الاستراتيجيات وصراخ الفضائيات، والتشكيك في الثوابت والمعتقدات.