بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، وصاحب السموّ الملكيّ الأمير خالد الفيصل، أطلقت مؤسّسة الفكر العربي التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافيّة،"التكامل العربيّ: تجارب، تحديّات، وآفاق"، وذلك في احتفال أقيم في مقرّ الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بحضور أعضاء مجلس أمناء مؤسّسة الفكر العربي، وأعضاء مجلس الإدارة والهيئة العامّة، وممثّلي المنظّمات والهيئات والمؤسّسات والمجالس الاتّحاديّة ومراكز الدراسات والأبحاث العربيّة والإقليميّة والدوليّة، فضلاً عن عدد من الخبراء والمختّصين في المجالات العلمية والفكرية المختلفة، وكبار الإعلاميين من مصر والوطن العربي، وحشد من الشخصيات الفكرية والثقافية والإعلامية. بدأ الحفل بكلمة للدكتور نبيل العربي، أكّد فيها أن اختيار مؤسّسة الفكر العربي القضايا المحورية ذات الصلة بتجارب التكامل العربي وتحدّياته الراهنة وآفاقه المستقبلية، محوراً للتقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية، هو اختيار صائب يأتي بالتزامن مع إحياء الذكرى السبعين لتأسيس جامعة الدول العربية، كما يأتي في مرحلة فاصلة تضجّ بالتساؤلات الكُبرى، حول حاضر هذه الأمّة المضطرب، وتأثير ما تشهده من تحدّيات وتحوّلات ومتغيّرات على مستقبل المنطقة وعلى منظومة الأمن القومي العربي برمّته. وتوجه بالشكر والتقدير إلى صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل، وكافة العاملين في مؤسّسة الفكر العربي، على إنجاز هذا التقرير الهامّ، كما إلى جميع المُفكّرين والمنسّقين والخبراء، الذين أسهموا في إعداد هذا التقرير، الذي يضمّ أبحاثاً قيّمة حول مختلف أبعاد الهوية والثقافة العربية، وما يواجه الدولة الوطنية العربية من تحدّيات غير مسبوقة، وكذلك سبل تعزيز التعاون والتكامل العربي في المجالات الاستراتيجية السياسية والتنموية والعسكرية، لافتاً إلى أن هذه المجالات تدخل في صميم أجندة عمل جامعة دول العربية منذ نشأتها قبل 70 عاماً، لأن الغرض من إنشاء الجامعة، وفق ميثاقها الحالي، هو توثيق الصلات بين الدول، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون، وصيانةً لاستقلالها وسيادتها. وأكد الدكتور العربي حرص جامعة الدول العربية على تعزيز التعاون مع مؤسّسة الفكر العربي، كونها تُعنى بقضايا الفكر، وهي استطاعت أن تفتح آفاقاً جديدة للحوار البنّاء، والتفاعل الخلاّق، ما بين مختلف التيارات والمدارس الفكرية العربية المنفتحة على الثقافة الإنسانية المُعاصرة. وأكّد ثِقته بأن فعاليات مؤتمر "فكر14"، الذي سينعقد برعاية فخامة رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي، رئيس الدورة (26) للقمّة العربية، ستُشكّل محطةً بارزة في مسيرة التعاون ما بين جامعة الدول العربية ومؤسّسة الفكر العربي، كما نتطلّع إلى وضع لبناتها التأسيسّية في هذا المؤتمر لتكون أجندة العمل المشترك للتكامل العربي لعام 2016، وتُتوج بعقد قمّة ثقافية عربية تُعنى بقضايا الفكر والهوية والتحديث والتجديد، وذلك من أجل صحوة عربية ونهضة شاملة. ثم ألقى صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل كلمة، شكر فيها أمانة الجامعة العربيّة على استضافة مؤتمر "فكر" في دورته الرابعة عشرة هذه السنة، والخبراء والمفكّرين على ما بذلوه من جهدٍ لإعداد هذا التقرير السنوي. ولفت إلى أن عنوان التقرير العربي الثامن هذه السنة هو "التكامل العربي: تجارب، تحديّات، وآفاق"، ويتالّف من ستّة أبواب، تغطّي مختلف جوانب التكامل العربي، وإشكاليّات الهويّة العربيّة وتحدّياتها، والتكامل العربي ومشروع الدولة الوطنيّة، والثقافة العربيّة في إقليمٍ مضطرب، والتعاون الأمني والعسكري في الوطن العربي، والتكامل العربي في أبعاده الاقتصاديّة، وأخيراً جامعة الدول العربيّة، الواقع والمرتجى. وأشار صاحب السموّ إلى أن الملحق يتضمّن مجموعة من الوثائق الخاصّة بجامعة الدول العربيّة، موضحاً أنه للمرّة الأولى يكون موضوع مؤتمر "فكر"، وموضوع التقرير السنوي للتنمية الثقافيّة، واحداً، وهو التكامل العربي. كما أنه للمرّة الأولى يتمّ إعداد هذا التقرير من خلال ستّ ورش عمل تحضيريّة، عُقدت في مقرّ الأمانة العامّة لجامعة الدول العربيّة، وبالتعاون معها، على مدى أسبوعين، بمعدّل يومين للورشة الواحدة، وخُصّصت كلّ ورشة في محورٍ من المحاور الستّ، وتولّى الإشراف عليها منسّقٌ مختصّ، وقُدّمت لكلّ واحدةٍ منها أربع أوراق بحثيّة، قام بمناقشتها مجموعة من الخبراء بلغ عددهم 26 خبيراً ومفكّراً وباحثاً، ينتمون إلى مختلف الاختصاصات وإلى معظم البلدان العربيّة. ولفت سموّه إلى إن الأوراق البحثيّة اختصّت بثلاثة جوانب: "تجارب، تحدّيات، وآفاق"، وعرضت ما تمّ إنجازه على مدى سبعين عاماً من العمل العربي المشترك، وأبرزت التحدّيات الراهنة والمعوّقات، وسعت إلى استشراف آفاق المستقبل. وأوضح أن التقرير العربي الثامن يُعدّ الأوّل ضمن سلسلة الدراسات والأبحاث والتقارير، التي تعتزم المؤسّسة إصدارها في السنوات المقبلة، لتستكمل ما بدأته في هذا التقرير الذي يأتي كثمرة للتعاون ما بين المؤسّسة وجامعة الدول العربيّة، وثمرة لجهودٍ مشتركة بذلها منسّقو الورش، ومعدّو الأوراق البحثيّة والخبراء الذين ناقشوه، وفريق العمل في المؤسّسة، لتطويّره وتوسّيع مجالاته ومداه. ثم تحدّث المدير العامّ لمؤسّسة الفكر العربيّ الأستاذ الدكتور هنري العَويط، فأكّد أن مؤسّسةُ الفكر العربيّ خاضت هذه السنة تجربةً جديدة، وهي تتطلّع إلى أن تغدوَ تقليداً راسخاً في أسلوب عملها. فقد نظّمت على مدى أسبوعين، من 31 أغسطس/ آب حتّى 13 سبتمبر/أيلول، ستَّ ورش عمل، بمعدّل أربع جلسات توزّعت على يومَين للورشة الواحدة، وخُصّصت كلٌّ منها لمعالجة جانبٍ من جوانب مسألة التكامل العربيّ. وهذا التقرير العربيّ الثامن للتنمية الثقافيّة الذي تضعه المؤسّسة في متناول المعنيّين و المهتمّين هو حصيلة الورش التحضيريّة الستّ . ولفت العَويط إلى أن موضوعُ التكامل تمّ اختيارُه موضوعاً محوريّاً للتقرير، من جهة، في ضوء ما تشهده المنطقةُ العربيّة من أحداث جسام، وما تعانيه دولها من صراعات وانقسامات وتشرذم تُعرّض لأشدّ المخاطر هويّتَها وكيانَها ووحدةَ أراضيها وسلامةَ مواطنيها، وفي ضوء ما تواجهه أيضاً من تحدّياتٍ مصيريّة تتهدّد وجودَها وبقاءَها؛ وتمّ اختيارُه، من جهةٍ ثانية، لمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس جامعة الدول العربيّة (1945 – 2015). وفي هذا الإطار حرصت المؤسّسة على عقد ورش العمل بالتنسيق مع الأمانة العامّة لجامعة الدول العربيّة، وفي مقرّها بالذات. والحقّ يُقال إنّ تعاونهما كان بنّاءً ومثمراً، أسّس لمرحلةٍ جديدة من العمل العربيّ المشترَك، وأفضى إلى الارتقاء بالتعاون إلى مرتبة الشراكة التامّة، التي تجلّت في صيغة الدعوة المشترَكة إلى مؤتمر "فكر" الذي دأبتِ المؤسّسةُ على عقده سنويّاً، كما في الصيغةِ المعتمدَة هذا العام لتنظيم فعالياته. وأوضح أن عنوانُ التقرير هذه السنة يتضمّن الأبعادَ الفكريّةَ والزمنيّةَ الثلاثة. فالتجارب تشير إلى المراجعة النقديّة التي لا بدّ من إجرائها لخبرة الماضي، بنجاحاتها وتعثّراتها وإخفاقاتها. وإنّ لعرض التجارب التي حفل بها سجلُّ السنوات السبعين المنصرمة، أهميّةً وفائدة، لا للتغنّي بإنجازاتها أو لنقد أخطائها وفرصها المضيَّعة فحسب، بل لنستخلصَ منها العِبَر التي تضيء أمامنا سُبُلَ الإصلاح والنهضة. وتشير التحدّيات إلى الأوضاع المأسويّة الراهنة التي تعيشها أوطاننا، والتي تشكّل معوّقاتٍ في طريق التكامل، ولكنّها تمثّل في الوقت نفسه فُرَصاً حقيقيّة إذا أحسنّا تدبّرَها والتعاملَ معها بفطنةٍ وحسن دراية. وأمّا الآفاق، فهي النوافذ المفتوحة على المستقبل، لاستشرافه ورسم خريطة الطريق إلى بنائه، إيماناً من "مؤسّسة الفكر العربيّ" بأنّ مسؤوليتها ومسؤوليّة المثقّفين والمفكّرين، ودورَها ودورَهم، إنّما يكمنان في إثارة الوعي بالصعوبات، وفي التحفيز على التصدّي لها وتجاوزها والتغلّب عليها. وإيماناً منها أيضاً بأنّ مفاهيم التعاون والتعاضد والتضامن، ليست قيماً أخلاقيّة أو مبادئ دينيّة فحسب، بل هي أيضاً التزاماتٌ مواطنيّة، وأنّ فيها مصلحةً متبادلة للأطراف كافّةً، على قاعدة الشراكة والترابح. ولعلّ من أهمّ ما يطمح إليه هذا التقرير، هو بناءُ ثقافة التكامل، والإعلاءُ من شأنها، ونشرُها وتعميمُها، وتعزيزُها وتوطيدُها. وتحدث العويط عن أبواب التقرير الستة، مشيراً إلى أن كلّ واحدٍ من هذه الأبواب يختصّ بجانبٍ من جوانب التكامل، أو عنصرٍ من عناصره، أو أداةٍ من أدوات تحقيقه. وما عدا بعض التباينات الطفيفة، فإنّ الباب الواحد يشتمل على نصّ تمهيديّ وأربع أوراق بحثيّة. أمّا النصّ التمهيديّ فقد وضعه منسّق الورشة التي يرتبط بها البابُ المعنيّ، ونصُّه يجمع بين الورقة الخلفيّة المرجعيّة، التي ضمنّها تصوّرَه للمسائل التي يمكن أن تتطرّق الورشة لها، ورسمت بالتالي توجهّاتِها وخطوطَها الكبرى، وبين الورقة التوليفيّة التي استرجعت بصورةٍ مكثّفة ما فصّله المختصّون في أوراقهم البحثيّة من أفكار رئيسة، وقاموا بعرض مضامينها في جلسات ورش العمل، ثمّ راجعوها وأدخلوا عليها تعديلاتٍ وإضافات في ضوء الملاحظات التي أبداها الخبراء المشاركون في الورشة. وتمّ إدراج عددٍ من الوثائق الخاصّة بجامعة الدول العربيّة، كملاحق في آخر التقرير. ولفت إلى أن أبواب التقرير قائمة بنفسها، ويشكّل كلٌّ منها ملفّاً مستقلّاً، فإنها في حقيقة الأمر متكاملةٌ، مترابطةٌ، بل متداخلة، ومردُّ ذلك أوّلاً إلى هيكليّةِ بنائها المتجانسة، والمنهجيّةِ الموحّدة التي اعتُمِدَت في تأليف نصوصها، إن لجهة تعدّد اختصاصات أصحابها، أو لجهة العناصر المشترَكة في المقاربات التي استخدموها، وكلّها توجّهاتٌ أثبتت ضرورتها وفاعليتها وجدواها. ومردُّ ذلك أيضاً إلى أنّ كلَّ مبحثٍ من مباحث هذا التقرير، وكلَّ بابٍ من أبوابه، طرح، بصيغٍ مختلفة، وأنماط مختلفة، الأسئلةَ المحوريّة نفسَها: - ماذا نعني بالضبط بمفهوم التكامل عامّةً، وتحديداً بالتكامل في المجال الثقافيّ أو الاقتصادي أو الأمنيّ والعسكريّ، أو بين المكوّنات المتعدّدة والمنوّعة للهويّة الواحدة الجامعة، أو في ما يتعلّق بأسس بناء الدولة الوطنيّة، أو على صعيد العمل العربيّ المشترك في إطار جامعة الدول العربيّة؟ - وما هي منطلقاتُ هذا التكامل، ودواعيه، ومسوّغاتُه، وحوافزُه، وضروراتُه، وأهدافُه ومراميه؟ - وما هي عناصرُه ومجالاتُه ومظاهرُه وتجليّاتُهُ؟ - وما هي معوّقاتُه وإشكاليّاتُه وتحديّاتُه ورهاناتُهُ؟ - وما هي، على وجه الخصوص، أبعادُه وآفاقُه وفرصُ نجاحِه وتحقّقِه؟ ومردُّ ذلك آخراً وليس أخيراً إلى أنّ طبيعةَ الموضوعات المختارَة والقضايا المعالجَة هي على درجةٍ كبيرة من الارتباط العضويّ والتشابك الشديد. لقد كانت هذه السمة بارزةً للعيان أثناء الورش المتتالية، ويمكننا أن نتبيّنها أيضاً بوضوح من خلال قراءة التقرير. وأشار إلى أنّ هذا التقرير يندرج في سياق منظومةٍ متكاملة من النصوص التي أصدرتها مؤسّسة الفكر العربيّ لمناسبة انعقاد مؤتمرها السنويّ "فكر 14". فتمشيّاً مع السياسة الجديدة التي اعتمدتها هذا العام، قرّرت المؤسّسة أن يشكّل "التكامل" القاسمَ المشترَكَ والجامعَ بين مجموعةٍ من أنشطتها وبرامجها، من أجل تحقيق مقدارٍ أكبر من التنسيق والانسجام بينها، ومن أجل إكسابها المزيدَ من الفاعليّة في بلوغ الأهداف المرجوّة. ففضلاً عن أنّ التكامل هو الموضوع المحوريّ الذي يدور حوله مؤتمرُنا السنويّ "فكر 14"، تعمدّت المؤسّسةُ أن يكون التكاملُ أيضاً موضوعَ تقريرها السنويّ الذي نحتفل الآن بإطلاقه؛ وأصدرت عدداً خاصّاً ومميَّزاً من نشرتها الشهرية "أفق"، بعنوان "المواطنة، التعدّدية، والعروبة"، وهو يضمّ سبعين مقالة لنخبةٍ من كبار المفكّرين العرب، شئناها تحيّةً إلى جامعة الدول العربيّة في ذكراها السبعينيّة، ودعوةً إلى تجديد فكرة العروبة التكامليّة الجامعة. وقامت المؤسّسة، في إطار برنامجها "حضارة واحدة"، بتعريب ثلاثة مؤلّفات، عالج أصحابُها فيها تجاربَ تكامليّة على الصعيد الدوليّ، وهي تحمل العناوينَ الآتية: - "النظام السياسيّ للاتّحاد الأوروبيّ"؛ - "التكامل والتعاون في أفريقيا"؛ - "البريكس: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا – القوى الاقتصاديّة في القرن الحادي والعشرين". ومن شأن هذه الروافد التي تصبّ كلُّها في مجرىً واحد، أن تضعَ بين يدَي المشاركين في مؤتمر "فكر 14"، وبين يدَي القرّاء عامّةً، مجموعةً من الدراسات والأبحاث والمقالات التي تشكّل مراجعَ مفيدة ومضيئة. وأشاد بالجهود التي بذلها كل من أسهم في صدور هذا التقرير، من داخل مؤسّسة الفكر العربيّ ومن شبكة المتعاونين معها في خارجها. فلقد حظي مشروعُه، منذ لحظاته الأولى، وعلى امتداد مراحل تنفيذه، برعايةٍ خاصّة من رئيس المؤسّسة، صاحبِ السموّ الملكيّ الأمير خالد الفيصل، ودعمٍ كبير من مجلس أمنائها ومجلس إدارتها. وشارك في صوغ محتوياته نخبةٌ من كبار المثقّفين والمفكّرين الذين ينتمون إلى مختلف الاختصاصات والبلدان العربيّة.