أمس وقعت "خناقة" مفاجئة وغريبة ، وشديدة العنف والسخونة ، بين كتلتين انتخابيتين كلتاهما من المؤيدين للرئيس عبد الفتاح السيسي ، بل والمتنافسين على الولاء الكامل له ، كتلة "في حب مصر" التي تقدمت بقائمة تحمل الاسم نفسه في الانتخابات البرلمانية ، ويقودها اللواء سامح سيف اليزل وأسامة هيكل صحفي مراسل الوفد "العسكري" السابق ووزير الإعلام الأسبق ، والطرف الآخر المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقا ومعها اللواء حسام خير الله حيث يقودان كتلة "التحالف الجمهوري" ، والاتهامات بين الطرفين كانت من العيار الثقيل ، حيث وجهت الجبالي إلى سامح سيف اليزل تهمة التواطؤ مع الإخوان المسلمين والاجتماع بهم سرا وتلقي أموال ودعم من الجماعة ، وتعريض الأمن القومي المصري للخطر ، كما اتهمتهم بأنهم جزء من فلول النظام السابق ، وهو ما رد عليه أسامة هيكل باتهام تهاني الجبالي بأنها "ربيبة سوزان مبارك" وهي التي حولتها من محامية في طنطا إلى قاضية بالمحكمة الدستورية ، كما وصفها بأنها "أم الفلول" ، ومن جانبه أقسم اللواء سيف اليزل على أنه لم يقابل أحدا من الإخوان ، وقال أنه حج إلى بيت الله الحرام ثمانية عشر مرة في إشارة لتعزيز قسمه على أنه لم يجتمع بالجماعة ، بينما قدمت تهاني الجبالي في مؤتمرها الصحفي الذي عقدته بهذا الخصوص صورا تجمع بين سيف اليزل وهيكل وشخصيات إخوانية من رجال الأعمال في الكويت ، وهو ما اعترف به سيف اليزل وهيكل ، ولكنهما قالا أنهما لا يعرفان إن كان هذا الشخص من الإخوان أم لا ؟!. الخناقة أو الشجار العنيف كان مبعثه الأساس حزازات تولدت على منافسة غير شريفة في الانتخابات الأخيرة ، ويبدو أن كتلة سيف اليزل ضربت في كتلة تهاني بأنها تلعب على وتر طائفي وأنها جسر للاختراق الشيعي في مصر ، وهو ما دفع الجبالي لكشف المستور حسب قولها واتهام سيف اليزل بتهمة ترقى للخيانة العظمى وفق معايير الحساب السياسي الحالي ، باعتبار أن الإخوان يصنفون في مصر كتنظيم إرهابي ، وبالتالي فتلقي تمويل من تنظيم إرهابي كافية بنقل سيف اليزل وصاحبه إلى السجن مباشرة إن صح الاتهام . خطورة هذه المعركة أنها لا تمثل "أشخاصها" بقدر ما تمثل "القوى" النافذة التي تدعم وتحمي هذه الكتلة أو تلك وتقف في ظهرها ، هي ليست معركة تهاني وسيف اليزل ، بل معركة من تمثله تهاني ضد من يمثله سيف اليزل ، وهي امتداد لصراعات خلفية مسكوت عنها وغير جائز ، ولا ممكن ، الحديث عنها بشكل صريح ، ولكن أي مراقب للشأن العام في مصر يمكنه أن يضع يده على خيوط تلك الصراعات ، كما أن الأهم من التراشق بالاتهامات بين الطرفين التأمل في ما قالته تهاني الجبالي والتي تملك تواصلا ودعما مع "قوى نافذة" ، حيث وصفت ما يفعله سيف اليزل بأنه جزء من مخطط أمريكي خليجي لإعادة الإخوان إلى الحياة السياسية من خلال البرلمان بعد أن لفظهم "الشعب المصري" حسب قولها ، حيث عادت وأكدت أن إرادة الشعب المصري وحدها هي التي تقرر هذه المسألة ، رغم أن البرلمان من الطبيعي افتراضيا أنه يمثل إرادة الشعب المصري ، ولكن الحديث عن "إرادة الشعب" في مصر طوال العامين الماضيين أصبح يحمل أكثر من معنى ويحتمل أكثر من ترجمة سياسية . تهاني الجبالي لا "تهلفط" في الكلام بهذه الدرجة من الحساسية ، وكان أمامها ألف طريق آخر للحديث عن "خطط" سيف اليزل ومجموعته لتشويهه أو إحراجه ، وبالتالي ، فلنا أن نستشف من هذه المعركة المفاجئة أن هناك خططا بالفعل لتسوية سياسية في مصر عن طريق البرلمان ، وأن هذه الخطط تحظى بدعم أمريكي ودعم آخر خليجي ، بطبيعة الحال سيكون الدعم الخليجي من عاصمة مقربة من القاهرة ، كما أنه يفهم من هذا الكلام أن هناك جهات أو أجهزة في الدولة غير مرحبة بتلك الترتيبات ، وأنها ستتصدى لها بالطرق التي تراها مناسبة ، وعبر الكتل والشخصيات وربما المنابر الإعلامية التي تشرف عليها . بكل تأكيد ، معركة تهاني وسيف اليزل ، تجعلنا في حال توقع لمفاجآت أكثر أهمية وأكثر خطورة عن "إعادة ترتيب" البيت المصري من الداخل في الأشهر المقبلة .