لم يختلف المثقفون على أداء دبلوماسي عربي كما اختلفوا على أداء السفير عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية!! فهذا الجل حظي بتقدير عربي كبير بعدد خطابه الحماسي الذي ألقاه في مؤتمر مدريد سنة 1992م، أمام "شامير" – أعني رؤساء وزراء إسرائيل وأكثرهم تشدداً وكان عمرو موسى آنذاك حديث عهد بتولي حقيبة الخارجية المصرية وقد حزن المعجبون به كثيراً حين أطيح به من منصبه، وتحول إلى ما أسموه (ثلاجة) الجامعة العربية، وراهنوا على أنه سيبعث في تلك المؤسسة الخامدة [ التي أنهكها برود أعصاب سلفه السيد/ عصمت عبد المجيد] روحاً جديدة، ويعيدها على سطح الإعلام وبؤرة الأحداث. وفي المقابل فإن الذين يبغضون عمرو موسى قالوا إنه فارس في الكلام فقط، أو كما يقول إخواننا أهل القاهرة (فنجري بق) أما إذا كان المجال للفعل فإنه لا يفعل شيئاً.. وأنا شخصياً كنت من المعجبين المولهين بالسيد/ عمرو موسى، وما زلت أحب فيه أناقته ولغته العربية السليمة الرصينة التي نفتقدها على ألسنة الكثيرين من أهل السلطة، وقد عبرت عن رأيي فيه في مقال نشرته في صحيفة الأحرار المصرية عام 1994م. ولكنني مع مرور الوقت بدأت أشعر أن الرجل مغلوب على أمره – كما يقول مبغضوه – مجرد منفذ رغبات العم سام لا أكثر ولا أقل، وليس له من الأمر شئ. أقول قولي هذا بمناسبة ما سيحدث في الصومال حالياً من انهيار كامل لأي نظام قانوني أو دستوري في دولة عضو في الجامعة العربي، فقد أذاعت إذاعة لندن(B.B.C) منذ يومين حواراً مع عدد من رجال القانون، وأساتذة الجامعة الصوماليين، أجمعوا فيه على أن هذه الدولة لا تعرف حالياً أي نوع من المحاكم، أو التعاملات القضائية، وأن القانون في أجازة مفتوحة منذ سقوط الصومال في براثن الفوضى أوائل التسعينيات [ بداية تولي عمرو موسى وزارة الخارجية عام 1992م]. لقد حاول العم سام فرض سلطة القانون بقوات دولية تسبقها قوات أمريكية فمنيت تلك القوات بخسائر فادحة، وتصادف تنفيذ تلك المهمة في عهد بطرس غالي أمين عام الأممالمتحدة السابق، الذي كان – وما يزال – معروفاً بتعصبه الشديد ضد الإسلام والمسلمين وظهر هذا من خلال عدم تحمسه لإنقاذ الصومال، وعدم تدخله لإنقاذ آلاف المسلمين من مذبحة "سبرنتيشيا" في البلقان إبان عهده، كما كان هذا موقفه أيضاً في "بوروندب" و "رواندا". وفي كل مرة يتكاثر فيها الضحايا من المسلمين كان (أبو البطارس) يسارع بسحب قواته تاركاً الحبل على الغارب!! ولكن السيد/ عمرو موسى لم يستطع أن يفعل شيئاً لإنقاذ الصومال الذي تجرف رياح النزاعات العرقية، وتستنزفه الحروب الداخلية في ظل غياب الدولة كمؤسسات حاكمة. بل إن هناك أكثر من نظام رسمي في الصومال لا يجد اعترافاً من أحد. والجامعة العربية في ظل غياب إرادة قومية فاعلة – ساكنة سكون الموتى إزاء ما يحدث يومياً في الصومال من انتهاك للقانون الإنساني فضلاً عن القانون الدولي... ووزراء الخارجية العرب، وتجمع القذافي (س ص) المسمى تجمع دول الساحل و الصحراء، والاتحاد الإفريقي الأمين الشرعي لمنظمة الوحدة الإفريقية... والجامعة العربية، والأممالمتحدة، وعم رعي الترزي وكل أؤلئك مسؤولون عن شعب يباد، وأمة تضيع، وتاريخ ينمحي، ولكن كل أؤلئك في كفة، وعم عمرو موسى وحده في كفة لأن التاريخ لن يرحمه... فهو وحده المنوط به الأمل في إثارة قضية الصومال مرة بعد مرة حتى تتمكن الجامعة من حلها، ولو من خلال قوات عربية مسلحة تعمل تحت لواء الجامعة.