تغيير جذري في استراتيجية دعم بشار الأسد.. ومصر تلقى بثقلها في مواجهة الحوثيين على الرغم من الطابع البروتوكولى لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للسعودية للمشاركة فى القمة العربية اللاتينية، ولقائه بالملك سلمان بن عبدالعزيز، والإعلان عن ضخ الدماء فى العلاقات بين البلدين، بعد محطات توتر عديدة حول الموقفين من التطورات فى اليمن وسوريا، إلا أن مراقبين أكدوا أن هناك ملفات عدة تجاوزت الملفات التقليدية المطروحة على مائدة المفاوضات خلال الزيارة الأخيرة، تزامنًا مع أزمة دبلوماسية مرشحة للتصاعد بين القاهرة وعواصم غربية على خلفية قرارها بسحب رعاياها من مصر ووقف الرحلات إلى شرم الشيخ إثر حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء نهاية الشهر الماضي. وكرس قرار بريطانيا بسحب رعاياها من شرم الشيخ وما تلاه من قيام روسيا بخطوة مماثلة أجواء القلق داخل أروقة صنع القرار المصري، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند من أن بلاده رفضت إمداد مصر وروسيا بأسرار استخباراتية حول سقوط الطائرة، مشيرًا بذلك إلى احتمال حدوث عمل تخريبي متعمد ضد الطائرة لتحقيق مصالح لقوى إقليمية، في ظل ما تردد عن وجود مخطط استخباراتي لإسقاط الطائرة في الأجواء التركية قبل يوم من انتخابات البرلمان للتأثير بالسلب على حظوظ حزب "العدالة والتنمية" الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان. وأفادت مصادر أن بريطانيا تملك أدلة معلومات استخباراتية تثبت تورط قوى إقليمية في إسقاط الطائرة، وأنها رفضت الإعلان عن هويتها، للحفاظ على علاقاتها بها وارتباطها بمصالح اقتصادية معها. وأضافت أن القاهرة طالبت الرياض خلال زيارة السيسي، باستخدام ثقلها الدولي لتطويق أزمة سقوط الطائرة، في ظل تسرب تقارير استخباراتية تشير إلى تصعيد دولي ضد مصر واحتمال قيام دول غربية بتقديم ملف الطائرة لمجلس الأمن، مقابل تغيير استراتيجي في موقف مصر من الأزمة في كل من اليمن وسوريا، وحتى الانفتاح على جماعة "الإخوان المسلمين" والقبول بمصالحة معها تعيد دمجها في المشهد السياسي. وبحسب المصادر ذاتها، فإن القاهرة ما زالت قلقة للغاية من تداعيات الموقف الروسي من القضية، إذ أن مسارعة موسكو بسحب رعاياها من شرم الشيخ وتوقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مرسوم يمنع السياح الروس من العودة للمقاصد السياحية المصرية شكل ضربة قاصمة للقاهرة. ودفع قرار بوتين بالقاهرة للموافقة على أي مطالب دولية بالمشاركة في التحقيقات وفى الاطلاع على الإجراءات الأمنية في شرم الشيخ، وجاءت الموافقة على مشاركة الطرف الأمريكي في التحقيقات ليعكس المأزق الشديد الذي تعاني منه القاهرة، ورغبتها في الوقت ذاته بالظهور بمظهر الحريص على الشفافية في إعلان نتائج التحقيقات، ما أثار تساؤلات حول مفردات السيادة والترفع عن أي تدخل دولي في شؤونها منذ الثالث من يوليو، وهو أمر سقط بشدة خلال مواقف كثيرة، منها أزمة سقوط الطائرة. ويقول مراقبون إن تعقد الموقف المصري واستمرار التحرش البريطاني بمصر دفع القاهرة لضرورة البحث عن مخرج من الأزمة شديدة التعقيد التي تهدد النظام المصري، لذا فلا يستبعد تقديمه تنازلات مؤلمة للرياض في عدد من الأصعدة، لاسيما من جهة التخلي عن الاستمرار في دعم نظام بشار الأسد. ويمثل ذلك مؤشرًا على تغيير استراتيجية مصر التي دأبت على تقديم الدعم لنظام بشار منذ عام 2011، إذ لم يتوقف تقديم الدعم له يومًا خلال حكم المجلس العسكري السابق والرئيس المعزول محمد مرسى، رغم أن الأخير كان يتخذ موقفًا داعمًا لإسقاطه، إلا أن المؤسسات القوية كانت تتخذ مواقف مغايرة، فضلاً عن التحفظ عن تأييد التدخل الروسي في سوريا. ولم تتوقف التنازلات المصرية عند هذا الحد، على ضوء ما يتردد عن تغيير استراتيجى فى الموقف من اليمن يشير لتدخل مصرى قوى وحاسم ضد الرئيس المعزول علي عبدالله صالح والحوثيين يعيد رسم خارطة اليمن، ويقطع الطريق على نفوذ إيرانى متكامل فى الخاصرة الجنوبية للمنطقة. ويبدو ذلك واضحًا بعد الحديث عن استئناف المملكة العربية السعودية تقديم الدعم للاحتياطى النقدى لمصر، من خلال وديعة جديدة، فضلاً عن إعطاء الملك سلمان ضوءًا أخضر باستمرار وصول الطائرات والسياح السعوديين إلى شرم الشيخ حال التزام مصر بما قطعته على نفسها خلال القمة المصرية السعودية. لكن هذا الطرح لا يروق كثيرًا للدكتور نادر فرجانى الخبير الدولى فى التنمية البشرية، إذ قلل من أهمية ما تم التوصل إليه خلال القمة السعودية، ملمحًا إلى أن الرياض لم تلب كثيرًا من المطالب المصرية، وهو ما ظهر بشكل مكثف عبر إنشاء مجلس تنسيق سعودى مصرى مشترك، لتنفيذ "إعلان القاهرة" كبديل للدعم الذى كان يقدم لمصر. وأشار إلى أن عدم تلبية العاهل السعودى لدعوة السيسى لزيارة مصر، يعبر عن خيبة أمل القيادة فى الحصول على دعم مالى من السعودية، لمواجهة الأزمة المالية المتفاقمة فى مصر، ما يجبر الحكومة على اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية. ويرى الدكتور أنور عكاشة القيادى الجهادى أن تقديم الرياض دعمًا ماليًا لمصر لايعنى تغيير موقفها من النظام الحالي، بل قد يكون مرتبطًا بمصالح سعودية عليا فى سوريا واليمن، مرجحًا موقفًا مصريًا جديدًا فى اليمن فى ظل مراهنة رسمية من النظام على الرياض لإخراجه من أزمات عديدة قد تكون من بينها الطائرة الروسية وغيرها. وأضاف عكاشة أن "هذا الدعم لا يعنى تخليًا سعوديًا عن المصالحة بين الدولة والتيار الإسلامى فى مصر، فهذه المصالحة لن تتم دون دعم إقليمى، لاسيما أن أحدًا من طرفى الصراع لن يستطيع أن يلحق الهزيمة الكاملة بالآخر".