تتخذ دولة الإمارات موقفًا معاديًا من ثورات الربيع العربي، وخاصة التيارات الإسلامية، إذ تناصر السلطات التي جاءت في مصر بعد 30 يوليو 2013 والنظام التونسي بقيادة الرئيس الباجي السبسي، على حساب الجماعات الإسلامية. وكشفت جريدة "الجارديان"، البريطانية، خلال الأسبوع المنصرم، 3 فضائح سياسية للإمارات، كان أبرزها دور تدخّل المال السياسي الإماراتي في السياسات العالمية والعربية، عبر فضحها قبل أيام للعلاقة المثيرة للجدل بين الإمارات والوسيط الأممي إلى ليبيا "برناردينو ليون"، وكذلك لوقائع خطيرة لمحاولات تدخل المسئولين في الدولة المذكورة في سياسات بريطانيا الداخلية والخارجية فيما يتعلق بجماعة "الإخوان المسلمين".
رشوة الأممالمتحدة قام مسؤولو أبوظبي في الواقعة الأولى بمفاوضات سرّية مع ممثل الأممالمتحدة في ليبيا برناردينو ليون، إيطالي الجنسية، من خلال إغرائه بوظيفة أكاديمية براتب قدره 35 ألف جنيه شهريًا، وهو ما أدّى عملياً إلى توريط "ليون" أثناء عمله لتسوية النزاع الليبي بأخذ مواقف غير محايدة ظهرت في اعترافات موثّقة في رسائل ووثائق لدى الصحيفة البريطانية. أدّى الإعلان هذا، إلى ضرب مصداقية الأممالمتحدة لدى الليبيين وغير الليبيين، وهو سيؤدي، على الأغلب، إلى تدمير ما أنجز من اتفاق بين طرفي الصراع في ليبيا، وهو أمر يدفع ثمنه الليبيون والمنطقة بالدماء البشرية والفوات التاريخي، ويعزز من الفوضى التي يعتاش عليها الطغيان العربيّ وأشكال التطرّف الناتجة عنه.
الضغط على الإعلام البريطاني ويبين الحدث الثاني الذي كشفته "الجارديان" عن محاولات أبوظبي الضغط على لندن لتقبل إجراءاتها المضادة ل380 من المتعاطفين مع جماعة "الإخوان المسلمين" في الإمارات، ومحاولة "إقناعها" بكبح تغطيات "بي بي سي" للأحداث العربية، وباعتماد وجهة نظر أبوظبي فيما يتعلّق بالإسلام السياسي.
التأثير في السياسة البريطانية وإذا كان "إغواء" الوسيط الأممي برناردينو ليون تم بالمال فإن أبوظبي لجأت مع بريطانيا إلى سياسة "العصا والجزرة" الشهيرة التي كان منطوقها: "افعلوا ما نطلبه منكم واحظروا الإخوان لتحصلوا على صفقات سلاح ونفط لشركاتكم الكبرى، أو امتنعوا لتخسروا المليارات (وهو ما حصل فعلاً… إضافة إلى طرد مستشارين عسكريين بريطانيين)".
الثمن الباهظ يتعلّق الأمر بداية باتجاه أقلّ ما يقال عنه إنه "يتجاوز الحدود" السياسية للإمارات، بحيث تُرى آثاره في معارك ونزاعات هائلة واستخدام فائض للمال السياسي في كل المنطقة العربية والعالم بشكل ينعكس سلبًا على الإمارات، الدولة الغنيّة في منطقة شديدة الاضطراب، ويعرضها إلى احتمالات عديدة يصعب تقدير حجم أخطارها ومساوئها على المدى البعيد. فإذا كان استهداف شخصيات وجمعيات محسوبة على الإخوان (وغير الإخوان) داخل الإمارات، بمزاعم استهداف هذه الشخصيات والجمعيات التي تعايشت مع أسس الدولة منذ عقود، ممكنًا داخل الإمارات نفسها، فالحال أن مشروع الانقلاب على هؤلاء في مصر وتونس وسوريا واليمن، باهظ الثمن. كما أن الإمارات، والمنطقة ككل، لا تزال تدفع ثمن هذا التوجّه لدعم انقلابات أجهزة الاستبداد القديمة على الثورات الناشبة في العالم العربي من خلال تزايد الاستقطاب الذي يعتاش طرفاه عليه: طغيان مقابل تطرّف، فرأينا كيف ازدهر تنظيم "الدولة الإسلامية" مع تبدّد آفاق آمال العرب بتغييرات حقيقية، وكيف رفع الجنرالات سقوف القمع تحت حراسة يافطة "مكافحة الإرهاب"، وكيف تدفق مئات الآلاف من المهاجرين هاربين من بلاد يرفرف فوقها البوم والغربان وطائرات "الدرون". وبالنسبة لبريطانيا، فإن أسوأ ما حصل هو انكشاف سوء فهم الإمارات لآليات اشتغال دولة مؤسسات ديمقراطية مثل بريطانيا، فلا هي، ولا خبراء علاقاتها العامة "الفهلويون" (وخاصة البريطانيين منهم الذين حصلوا على مبالغ مالية كبيرة لتقديم "نصائحهم")، نبهوا أبوظبي إلى أن إمكانيات خضوع السلطة التنفيذية البريطانية لهذا النوع من الضغوط معدومة لأن أي كشف لتجاوب مع هذه الضغوط كان كفيلا بإسقاط رئيس الحكومة والمتورطين فيها.