من الآداب الاجتماعية المؤثرة في المجتمع إيجابًا، أدب الوفاء بالمواعيد المضروبة وعدم التخلف عنها إلا بعذر قاهر صحيح مقبول، حتى يطمئن الناس بعضهم إلى بعض، ويثق بعضهم بوعد البعض الآخر. الوفاء بالمواعيد المضروبة، صفة من صفات الأنبياء والمرسلين، وخلق من أخلاق العلماء والدعاة المخلصين، وأدب من آداب الرجال الصادقين، إذ يحفظ الأوقات من الضياع، فتحصل المصالح، وتعم الفائدة،.
فقد مدح الله سبحانه وتعالى نبيًا كريمًا بالصدق في الوعد، والالتزام به، فقال-سبحانه-:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً} مريم:54، قال الإمام القرطبي- رحمه الله- عند هذه الآية: "صدق الوعد من خلق النبيين والمرسلين، وضده-وهو الخلف-مذموم، وذلك من أخلاق الفاسقين والمنافقين...
وحث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - على الوفاء بالوعد، وجعل من يخلف الوعد قد اتصف بصفة المنافق، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "آية المنافق ثلاث: إذا حَدَّث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف"2, قال الحافظ السخاوي-رحمه الله تعالى-في قول النبي-صلى الله عليه وسلم-:"إذا وعد أخلف": أنه محمول على مَن وعد وهو على عزم الخلف أو ترك الوفاء من غير عذر، فأما مَن عزم على الوفاء ومَن له عذر منعه من الوفاء لم يكن منافقاً وإن جرى عليه ما هو صورة النفاق، ولكن يحترز من صورة النفاق كما يحترز من حقيقته.. ولا ينبغي أن يجعل نفسه معذوراً من غير ضرورة..
وجاء في حديث هرقل المشهور ما يؤكد أهمية الوفاء بالوعد والصدق فيه ما حيث قال لأبي سفيان:" سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه أمركم بالصلاة، والصدق, والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، قال: وهذه صفة نبي".
كان السلف الصالح - رضوان الله عليهم - يحرصون على الوفاء بما يوعدون به، فهذا ابن مسعود – رضي الله عنه - كان يقول أصحابه إنه إذا وعد فقال: إن شاء الله لم يخلف".
وهذا محمد بن سيرين - رحمه الله تعالى - يواعده ابن عبد ربه القَصَّاب فيقول: "واعدت محمد بن سيرين أن أشتري له أضاحي فنسيت موعده لشغل ثم ذكرت بعدُ، فأتيته قريبًا من نصف النهار، وإذا محمد ينتظرني ، فسلمت عليه فرفع رأسه فقال: أما أنه قد يقبل أهون ذنب منك، فقلت: شُغِلتُ، وعنفني أصحابي في المجيء إليك وقالوا: قد ذهب ولم يقعد إلى الساعة، فقال: لو لم تجئ حتى تغرب الشمس ما قمت من مقعدي هذا إلا للصلاة أو الحاجة لا بد منها" ولا ريب أن صنيعه هذا - رحمه الله تعالى - يدل على حرصه الشديد على الوفاء بوعده وإعذار الآخرين المتأخرين.
وسئل الإمام أحمد بن حنبل: كيف تعرف الكذابين؟، فأجاب: بمواعيدهم.
وقال عبد الرحمن بن أَبْزى - رضي الله عنه -: كان داود - عليه السلام - يقول:" لا تَعِدنَّ أخاك شيئاً لا تنجزه له، فإن ذلك يورث بينك وبينه عداوة".
قال أبو تمام:
إذا قلت في شيء : نعم فأتمه *** فإن نعم دَين على الحرِّ واجب
وإلا فقل : لا تسترح وترح بها *** لئلا يقول الناس : إنك كاذب
وقال العقيلي في هذا المعنى:
ابدأ بقولك لا من قبل قول نعم *** يا صاح بعد نعم ما أقبح العللا
واعلم بأن نعم إن قالها أحد *** عند المواعيد لم يترك له جدلا.