عندى غيرة مما يحدث فى تونس من تقدم فى مسار الديمقراطية والإصلاح بالقياس لما يحدث عندنا من تعثر واضطراب وتنابذ واستعداء وشحن والتى تجلت فى أوضح صورها أثناء وبعد الجولة الأولى للانتخابات. بدا واضحًا أن أحداث 18 نوفمبر فى التحرير كانت تحركها أيادٍ كثيرة ..منها المخلص ومنها غير ذلك وعندى شواهد أنه كانت هناك أيادٍ خبيثة تريد النيل من هيبة الدولة وتوسيع دوائر الفوضى ودفع كل الأطراف إلى حالة عنف مستعرة .لكن المؤكد أنه كانت هناك أطراف مدفوعة بالحرص على المستقبل الذى بدا أمامها غامضًا مقلقًا وساعد على ذلك تباطؤ المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى مسألة نقل السلطة.اختلط المشهد واختلف حكماء الناس فى تفسير وتبرير ما حدث..لكن رحمة الله كانت أشمل ولطفه كان أقرب . جاء موعد الانتخابات البرلمانية ووفى المجلس بإتمامها فى موعدها وقدم لها الحماية الكاملة وانتهت المرحلة الأولى بفوز الإسلاميين بأغلبية المقاعد مع تقدم ملحوظ لليبراليين .. والحق أن معظم من فازوا منهم يشهد له بالجدية والاحترام رغم أن بعضهم لا يرى مبررًا كافيًا لتوسيع مظلة الفهم والتطبيق الإسلامى على عموم الحياة . الاختيار كان للشعب المصرى العريق فى أصالته وأخلاقه. لكن الليبراليين الجدد من (الأخانسة والثعالبة) الذين يملأون الوادى بصياحهم وضجيجهم أبوا إلا أن يطلوا بأعناقهم على نحو مثير للاشمئزاز والقرف..فتطاولوا على الجماهير واتهموها بالجهالة والأمية (الايكونوميست علقت ساخرة على حالة الاستعلاء و البعد السحيق التى بينهم وبين الناس)فى الوقت نفسه لديهم عداء عنيف للإسلاميين وهو العداء الذى يقترب من الإسلام ذاته..ومن فكرة أن الحياة الإنسانية جزء من إرادة إلهية حكيمة وهى جديرة بأن تعاش بشرف وأخلاق وفق أوامر الله وأن لها معنىً خالداَ ومفهوماَ.. لديهم أيضًا نزعة عدائية تجاه الاستقلال الاجتماعى لأن ذلك يزيد من قوة الجماهير وهم كما ذكرنا لديهم نفور من الجماهير. وقد يجد البعض عذرًا لهم كونهم غارقين حتى (الثمالة)فى مفاهيم وتصورات الغرب عن النفس والحياة..وبقدر ما يمارس الغرب علينا من استعلاء يكونوا هم أيضًا كذلك ..صوتهم صاخب وكلامهم مكرور وصدورهم مختنقة و(دماغهم تخينة )..وتراهم دائمًا يلوون أعناقهم ..تماماً كما(جاييف و رانيفسكيا )اللذين أضاعا(بستان الكرز)بغرورهم وسخافاتهم ولا مبالتهم بالمخاطر وعدم القدرة على عمل أى شىء _كما وصفهم تشيكوف _ يكلمون الأدنى منهم بخشونة ويعاملون الناس كالحيونات ولايجتهدون ولايعرفون ولايفعلون شيئًا على الإطلاق..إلا الثرثرة والصياح.. صحفهم وفضائياتهم تمارس الآن دورًا(همجيًا) فى تعبئة الناس بأكاذيب مرصعة بالتفاهة والتهافت عن خطورة الإسلاميين على البلاد وعن سياحة المايوهات الضائعة وعن الحريات الشخصية التى سيحرم منها الناس وعن طالبان التى ستلهث فى الشوارع تعلو الناس بدرتها ليذهبوا للصلاة ..أكاذيب قديمة بالية رثة ينطبق على أصحابها ما قاله أحمد فؤاد نجم ذات يوم(أنتم دود الأرض والآفة المخيفة ..أنتم كرباج الظالم والمأسى ..أنتم علة فى جسم بلدى أنتم جيفة).. هم يعرفون تأثير الإعلام على الناس وأيضًا على المجلس الأعلى.. وحسنا فعل المجلس الأعلى بدعوته لتكوين المجلس الاستشارى وهى وإن كانت متأخرة قليلا لكنها أدركت مطلع الفجر.ورغم كل ما يقال عن صلاحيات المجلس فمجرد وجوده فى هذا التوقيت إلى جوار المجلس الأعلى وإلى جوار البرلمان والأحزاب أمر مفيد إن لم يكن مهم واختيار رئيسه ونائبيه جاء مقبولا فإذا كان الأستاذ منصور حسن يمثل الليبراليين الوطنيين أصحاب التاريخ السياسى النظيف والأستاذ سامح عاشور يمثل اليسار المصرى ذو الأصول الناصرية فمكسب كبير للمجلس أن يكون المهندس أبو العلا ماضى ممثلا للإسلاميين سواء بقدراته الحركية الكبيرة أو باتزانه السياسى الذى تميز به فى الفترة الأخيرة. على أنى لا يفوتنى أن أرجو وألح فى الرجاء على إخواننا الإسلاميين أن يكفوا عن التصريحات والمقابلات ..ويكتفوا منها بالقدر الذى تفرضه الضرورة ..قد يكون الإعلام مغريًا بكثرة الظهور ..لكن عظم المسئولية التى حملتموها وتتحملوها أعظم ..الناس تريد أن ترى واقعًا جديدًا بين أياديها ..لا على الفضائيات. وعلى العاقل أن يقتصد فى الرغبات الحكيمة. د/هشام الحمامى [email protected]