أيام قليلة وستحتفى الصحف وبرامج الفضائيات والمواقع الالكترونية بتنبؤات العام الجديد ، ويزعم كثيرون أن لديهم علم ودراسة لحركة الأجرام والكواكب سيتجرأ البعض مرددًا الآية الكريمة (وبالنجم هم يهتدون) وسيقول البعض الثالث أحداثا عامة معادة تصلح لكل زمان ومكان كحدوث زلازل وبراكين ورحيل فنانة كبيرة ورحيل ملك مسن واغتيالات فى دولة افريقية، وسيظهر من يتنبأ بنهاية العالم، وحتى لا ننسى ذهبت أبحث عن توقعاتهم وتنبؤاتهم التى احتفى بها الإعلام فى مثل هذه الأيام من 2010، وأجمع معظمهم على أن العام 2011 هو عام زحل، وأنه سيقابل مدار الأرض ، الأمر الذى يؤدى لتغيرات مناخية عاصفة والمزيد من المشاحنات والاضطرابات والحروب الضارية، وفى هذا قال الفلكى الخطابى المغربى، إن أفريقيا ستشهد انقلابات ثورية وحركات تحررية واغتيالات ومجاعات، وسيظل النحس يحوم حول أفريقيا طوال العام وستحدث تدخلات أجنبية فى سوريا، وستشهد السعودية رقعة الشطرنج، والغريب أنه قال إن نجم العام سيكون معمر القذافى، أما رجوة سعيدة الفلكية فقالت إن الرقم 4 سيتحكم فى 2011 وهو حاصل جمع 2011، وشبهته بعام الكساد 1930 بما أن جمع 1930 يساوى 13 وجمع 3 + 1 يساوى 4، وتقول إن هذا رقم الفوضى والبطالة والمشكلات المالية، فى حين تنبأ جاد طاونجى بانقلاب كبير فى إحدى الدول العربية بينما تنبأت هالة عمر بوفاة عدد كبير من الزعماء والسياسيين وستشهد مصر حالة عارمة من الاعتصامات والاضطرابات السياسية، وكلها أمور محتملة يمكن أن تحدث فى أى زمان، بينما كان السياسيون والمراقبون يتوقعون اضطرابات كمقدمة لثورة الجياع ..أما المثير والمضحك فقد تنبأ الجميع لبرج الثور وهو برج الرئيس المتنحى، بتغيير فى مكانه وربما ينتقل من منزله ولم يقل أحد لأين ؟؟. فى حين قالت هالة عمر، إن أكثر الأبراج حظاً هو الثور وقال آخر إن مواليد برج الثور سيتمتعون بأعلى درجات الحظ، الذى يمنحه لهم برج الجدى لتعويض خسائر 2010 وسيحققون مكاسب وترقيات وأفضل شهر لهم يناير ومارس . وبغض النظر عن التنبؤات والمشعوذين وسبوبة الفضائيات، فقد كذب الجميع بما فيهم المحللون والسياسيون وسماسرة الإضراب ورواد الحظيرة، وكان سؤالهم المهم مصر رايحة على فين بلا إجابة ولا توقع رغم أن الثورة كانت على الأبواب تنظر إليهم بقرف واشمئزاز وفى نهاية الأمر كذب المنجمون والسياسيون والمثقفون ولو صدقوا أو صدفوا. الوطن الموازى أخطر ما يواجه مصر الآن ليست المؤسسات القائمة، ولكن المؤسسات الموازية لكل مؤسسات الدولة والتى يمكن أن تشكل فى النهاية وطن أو أوطان موازية ، وهى الخطوة الأولى نحو تفكيك مصر، وللأسف فإن بعض المخلصين يجتهدون بمنتهى الكفاءة فى خلق كيانات موازية دون أن يدرون أنهم يهددون الدولة المصرية أقدم دولة عرفها العالم، وقد يرى البعض أن الفراغ يغرى بملئه، وأنه كلما استطالت الفترة الانتقالية تزداد الفوضى ، غير أن الحقيقة تفرض القول إن المؤسسات الموازية ظهرت باعتبارها حلا شعبيا عشوائيا كرد فعل لفشل المؤسسات الرسمية فى الوفاء بالاحتياجات الحالية للناس، ويستطيع المرء سرد أمثلة كثيرة مثل عداد أو بنديرة التاكسى، الذى يعمل وفق قانون صدر فى القرن الماضى ولا يزال ساريا غير أن الحكومة أطلقت مشروعا استثماريا اسمه تاكسى العاصمة، ولا أحد يعرف قيمة الأجرة التى يدفعها المواطن للتاكسى الذى يحمل ثلاثة ركاب على الأقل منفصلين، وهكذا اخترع صاحب التاكسى الحل لظلم القانون والعداد !! . والأمر نفسه للموظف أو المدرس الذى يحصل على قروش أو جنيهات فيستعين بالحلول الذاتية، إما بالرشوة أو الدروس الخصوصية، وهو ما حدث فى كل المؤسسات، فعندما فشل البرلمان فى فرز نواب حقيقيين يعبروا عن الشعب كون الناس برلماناتهم وقضاءهم العرفى ونقاباتهم الموازية وعندما أغلقت كل مؤسسات الدولة عن استيعاب الناس فى السياسة أو الخدمات أو فى غيرهما، وبالتالى أقام الناس مؤسساتهم ، وربما لم يسأل أحد نفسه عن لغز الأجور والأسعار فى مصر فكيف لأسرة لا يزيد دخلها مثلا على الألف جنيه شهريا وهى تصرف ثلاثة آلاف جنيه، لم نجد باحثين يجيبون على السؤال الهام من أين عوضت الأسرة الألفى جنيه؟. وفى دولة كل شىء فيها أشبه كاللوغاريتمات، تضاءلت الدولة الرسمية ونشأت الدولة الخلفية موازية أو دولة الظل، وبعد أن كانت أسيرة لعشوائيات الظلام ومعاملات الخفاء، بدأت فى الظهورعلنا وإعلان الحرب على الدولة الرسمية والغريب أن تجد لها أنصار بالملايين لأنها فقدت الثقة من قبل رعاياها الرسميين، والمهم أن الدولة الموازية تكتسب كل يوم أرضا جديدة، بما يعنى هذا بداية النهاية للدولة الرسمية، فى ظل نقابات موازية ومجالس موازية والمدونات كبديل عن الصحف واليوتيوب كبديل عن الفضائيات، على أن الأخطر من كل هذا أن يبادر المجلس العسكرى نفسه بإنشاء المجلس الاستشارى كبديل عن البرلمان، وأخشى أن يكون عدم الفهم والدراية يساهمان فى خلق وطن مواز إذا اجتمعت كل مؤسسات دولة الظل الموازية. خريف الثورات العربية فى عام 2005، أصدر الزميل أحمد المسلمانى كتابا (خريف الثورة) عن صعود وهبوط العالم العربى وكيف انتقلت تلك المنطقة من الثورة إلى الدولة وكيف عادت الحياة إلى نقطة الصفر مركزا على الجزائر والعراق واليمن وليبيا مستندا إلى تجارب أحمد بن بيلا وهوارى بومدين وعباس مدنى فى الجزائر ومستعرضا تجربة عبد الكريم قاسم وصدام حسين وعصور السحل والقتل المجانى وكيف وصلت الثورة إلى ذروتها فى ليبيا لتنتهى إلى جماهيرية مهلبية، كان الكتاب عن الثورة والثائرين، عن بؤس السلطة وبؤس المناضلين عبر صفحات فيها من الأفكار ما يكفى للخطأ ومن حسن النوايا ما لا يكفى الصواب، عصر كامل من أجيال وأفكار وأوطان انتهى كله على الفراغ، حتى أن المشهد يبدو وكأن ما جرى كان خطأ وأن الثورة انقلبت على الثوار لدرجة أن بن بيلا بعدما خرج من السجن تمنى العودة إليه مرة أخرى، عندما شعر بغربة شديدة فى وطنه وفى منفاه، والشاهد أن عصرا قد فشل وأن مجمل الثورات العربية لم تحقق شيئا، ومن العجيب أن الميزة الأعظم التى ابتلع العرب من أجلها كل شىء وهى ميزة الاستقلال وقيم النظام الجمهورى تآكلت بعد نصف قرن مر عليها، إن ثورة يوليو 1985 فى العراق انتهت إلى إعدام صدام حسين، ودخول دونالد رامسفيلد بغداد، وعانت ثورة اليمن عام 1961 وانتهت إلى بؤس عظيم وجماهير غاضبة وغادرت البسمة وجه اليمن السعيد، وحتى الثورة الجزائرية درة الثورات العربية لم يصمد رجالها طويلا حتى بدأت المذابح والمآسى وانتهت الثورة على نكسة، وأما ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 التى قادها القذافى فقد انتهت إلى سحل الجماهير للقذافى وعائلته التى ورثها كل شىء فى الجماهيرية، أما ثورة يوليو الأم فقد انتهت بنكسة 1967 والإسرائيليون يغسلون أقدامهم فى قناة السويس، والجمهورية تهيأت لعائلة مبارك لينتهى بها المقام فى سجن مزرعة طرة والمستشفى العالمى، والخلاصة أن ثورات العرب أنهت أحتلال الخارج وأبقت على أحتلال الداخل أى أنها بدلت المستعمرين الأجانب وقامت بصياغة استعمار وطنى جديد امتلك فى الثوريون السلطة والأرض والناس، حتى وصل بؤس الحكم الوطنى بعد الاستعمار حدا جعل من الحنين إلى عصر الاستعمار والملكيات الفاسدة فراجا يتزايد كل يوم بعد أن تحول إلى منفى كبير والحكام إلى سجانين وجلادين وصحا العالم العربى فى 2003على أحتلال بغداد وديسمبر 2010 على انتفاضة تونس و25 يناير على ثورة مصر ومارس على انتفاضة سوريا وشهدت شوارع اليمن إصرارا على الرحيل، كان اليأس قد دفع الناس لإعادة النظر فى كل شىء فما رآه المصريون عدوانا أمريكيا على العراق رآه معظم العراقيين عونا من الأمريكيين وأصبحت المنطقة فى فتنة، وبدا أن تقديس الوطن لا قيمة له دون تقديس المواطن وأظن أن قراءة هذا الكتاب فرض عين الآن إن لم تكن فرض كفاية، لحل مشكلة الثورة التى فشلت والدولة التى انهارت واستخلاص العبر من الثوار الذين عصفوا فى طريقهم بالفاسدين والمصلحين دون تفرقة، إنها مشكلة الحاضر حتى ينجح الإصلاحيون والثوريون .. المهم أخذ العبر فيمن غبر . التاريخ الآن خلال هذا الشهر تكرم الزميل الكبير صلاح منتصر، بإهدائى كتابه الصعود والسقوط من المنصة إلى المحكمة، يحكى ببساطة ورشاقة الصحفى وسلاسة الكاتب دراما حسنى مبارك، التى انتهت بسقوطه منذ أن كان نائباً وسنوات حكمه والأسباب التى أدت لميدان التحرير، وأظن أن هذا الكتاب هو أول صفحة فى تاريخ السنوات الثلاثين الماضية لتكون تلك الصفحات مرجعا لكل من يجلس على كرسى الحكم، ليتعلم درسا حتى لا تصبح نهايته مثل حسنى مبارك، وأول هذه الدروس ألا تطول فترة الحكم، وسوف نظل لسنوات نتذكر مشهد 3 أغسطس ومبارك على سريره فى القفص منكمشا وهو يقول للقاضى أفندم ذلك أن تلك الصورة كانت معبرة عن عصر جديد، ومن المفارقات أن جميع أنظمة الحكم التى ثارت شعوبها فى عام 2011 هى التى بدأت بانقلابات عسكرية نجحت فى وقتها فأصبحت تحمل أسماء ثورات، حدث ذلك فى سوريا، التى سبقت الجميع إبان حرب فلسطين عام 1948، ثم تبعتها مصر ثم العراق ثم اليمن فليبيا فتونس ، واليوم مع انهيار هذه الأنظمة العسكرية على يد شعوبها يتأكد فشل أسلوبها فى حكم الشعوب . أما الصفحة الثانية فى كتاب الثورة المصرية فقد كتبها الزميل مصطفى بكرى عن (الجيش والثورة) قصة الأيام الأخيرة من حصيلة شهادات ولقاءات مع عدد كبير من شهود هذه الفترة التاريخية المهمة من عمر مصر، وأيضا ممن شاركوا فى صنع القرار وكانوا أطرافا مباشرة فى تلك الأحداث وخاصة منذ نزول الجيش للشارع فى الثامن والعشرين من يناير وحتى قرار الإعلان عن التنحى فى الحادى والعشرين من فبراير ويكشف الكتاب القصة الحقيقية لعلاقة الجيش بالثورة ، والانحياز المطلق منذ اليوم الأول لها بل وحمايتها والدفاع عنها مذكرا بالبيان التاريخى فى الأول من فبراير، الذى أعلن فيه الجيش عن إنه لن يستخدم العنف ضد المتظاهرين، وعلى قصة اللقاء العاصف بين مبارك والمشير طنطاوى، بسبب هذا البيان، ويسأل بكرى ماذا لو لم ينحاز الجيش إلى الثورة، وماذا لو وقف فى صف النظام وقرر مواجهة المتظاهرين، ثم السؤال الأخطر وهو ماذا لو فشلت الثورة ولم تنجح فى إسقاط النظام وتنحية رئيسه ، والإجابة كما قال الفريق سامى عنان (حتماً كانت رؤس هؤلاء القادة ستعلق على باب زويلة) والغريب أن التهمة كانت الخيانة العظمى والعمل على قلب نظام الحكم .. والواقع أن ما حدث كان عزل نظام الحكم ، وتلك قصة أخرى .. !!